بين الفساد والعدالة.. صراع المستثمر والنفوذ

الأحد - 09 نوفمبر 2025 - الساعة 08:20 م بتوقيت العاصمة عدن

تقرير "عدن سيتي" يحيى سنان



في الوقت الذي يُفترض أن تكون فيه المنطقة الحرة بعدن بوابةً للاستثمار والتنمية، تحولت إلى ساحة فساد وتلاعب تقوّض الثقة بالبيئة الاقتصادية. القضية التي يتصدرها رئيس الهيئة العامة للمنطقة الحرة حسن الحيد، والمستثمر اليمني مصطفى عون، لم تعد نزاعاً تجارياً فحسب، بل مرآةً تكشف خللاً عميقاً في مؤسسات الدولة وضعف حماية الحقوق.

بدأت القصة في المملكة العربية السعودية، حيث أبرم المستثمر اليمني مصطفى طه عون وشريكه السعودي محمد نصر المشولي عقد شراكة يمنح عون 40٪ من الأسهم، موثقاً بالشهود، غير أن المشولي حاول لاحقاً التنصل من الاتفاق، مستفيداً من جنسيته السعودية ونفوذه المالي، لتبدأ رحلة طويلة من الصراع بين الحق والنفوذ.

القضاء السعودي قال كلمته بوضوح، فأقرّ بعقد الشراكة وشكّل انتصاراً للعدالة ورسالةً بأن القانون فوق الجميع.. بينما فشلت العدالة في اليمن في أول اختبار، إذ اصطدمت القضية بجدار الفساد الإداري والنفوذ الشخصي داخل مؤسسات الدولة، وواجهت تحركاتٍ مشبوهة داخل الهيئة العامة للمنطقة الحرة بعدن تمثّلت في إخفاء عقد التنازل الأساسي من السجلات الرسمية.

وكشفت الوثائق عن تورط رئيس الهيئة حسن الحيد في تعيين (المحامي محمد العمراوي، والمحامي خالد موسى - كمستشارين قانونيين له)، رغم ارتباطهما بالمشولي، لتسهيل عملية الإخفاء والتلاعب بالوثائق، وهذا السلوك مثّل سابقة خطيرة، إذ تحوّل المسؤول من حامٍ للقانون إلى شريك في الجريمة، موجهاً ضربة قوية لمصداقية الهيئة، ومثيراً سؤالاً مؤلماً: من يحمي المستثمر حين يصبح الفساد هو الحامي نفسه؟.

عون لم يستسلم، إذ احتفظ بالوثائق الأصلية ومحاضر الجمعية العمومية، مدعومة بشهادات رسمية أكدت التواطؤ، ما أسقط ذرائع المتورطين ووضع الهيئة أمام اختبار حقيقي أمام الرأي العام والقضاء على حد سواء، وقد كشفت القضية عن خللٍ أعمق من مجرد تجاوزٍ إداري، إذ أظهرت استغلالاً ممنهجاً للسلطة ومحاباةً واضحة للمصالح الشخصية على حساب المستثمرين اليمنيين، وهي ممارسات لا تهدد مشروعاً فردياً فحسب، بل تنسف الثقة بالمنظومة الاستثمارية بأكملها.

نتائج الفساد لا تقتصر على الأطراف المتنازعة، بل تمتد لتطال الاقتصاد الوطني. فكل وثيقة تُخفى، وكل عقد يُزوّر، يعني مزيداً من البطالة وهروباً لرؤوس الأموال وضياعاً لفرص التنمية التي يحتاجها اليمن أكثر من أي وقت مضى.. والقضاء اليمني اليوم أمام امتحان مصيري لإثبات قدرته على محاسبة المتورطين.. فإما أن يُنصف المظلومين ويعيد الاعتبار للقانون، أو يكرّس واقع العدالة الانتقائية التي تحمي الأقوياء وتُقصي الضعفاء.

إن قضية المنطقة الحرة بعدن ليست معركة شخصية، بل اختبار وطني لمستقبل العدالة والاستثمار في اليمن.. فإما أن تنتصر الدولة للقانون وتستعيد ثقة المستثمرين، أو تغرق أكثر في مستنقع الفساد الذي يلتهم مؤسساتها ويهدد حاضرها الاقتصادي.. لذلك، ينبغي على مجلس القيادة الرئاسي والحكومة والسلطة القضائية العمل على إقالة الفاسدين ومحاسبتهم، وتصحيح تلك الاختلالات قبل أن تتعمق الجراح أكثر.

متعلقات