إعلاميو رئاسة الوزراء: نموت نموت وتبقى مخصصات بن بريك
الأحد - 09 نوفمبر 2025 - الساعة 08:12 م بتوقيت العاصمة عدن
تقرير "عدن سيتي" مصطفى محمود
سالم بن بريك، الرجل الذي يجلس على كرسيين في آنٍ واحد — رئيسًا للحكومة ووزيرًا للمالية — لا يعرف معنى التقشف إلا في خطاباته الرسمية، أما في حساباته الخاصة، فيبدو وكأنه أسس جمهورية مالية داخل الجمهورية، نظامًا موازيًا تتدفق إليه الأموال من كل جهة، بأوامر "قانونية" تحمل توقيعه وكأنها قوانين الطبيعة.
فهو يصرف لنفسه مكافأة شهرية ثابتة من وزارة المالية بصفته وزيرًا، وأخرى أكبر من الأمانة العامة لرئاسة الوزراء بصفته رئيسًا للحكومة، وفي كل رحلة عمل يتقاضى بدلَي سفر من الجهتين معًا، كأنه يسافر بشخصيتين مختلفتين إلى الوجهة ذاتها.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ لا يزال يتقاضى مكافآت ثابتة من مصلحتي الضرائب والجمارك اللتين كان يرأسهما سابقًا، وكأن الماضي والحاضر والمستقبل عنده موارد مالية متجددة لا تنضب.
إنه لا يُجسِّد الفساد فحسب، بل يعيد تعريفه. ففي زمنه لم يعد تضارب المصالح فسادًا، بل منهجًا إداريًا، ولم تعد المكافآت حافزًا على الأداء، بل عقيدة مالية لا تمس.
من يتتبع مسيرته يدرك أن صعوده لم يكن وليد إنجاز، بل نتاج صفقة، حين اكتشفه لوبي الفساد باكرًا فاستثمر فيه باعتباره “الطموح السهل القياد”؛ ذلك النوع من البيروقراطيين الذين يضحّون بالمبدأ مقابل توقيع، ويطيعون من فوقهم بصمت مطلق.
تدرج من إدارة صغيرة إلى رئاسة الجمارك، ثم إلى وزارة المالية، وصولًا إلى رئاسة الحكومة، دون أن يُختبر في كفاءة واحدة سوى قدرته على تمرير المخالفات المالية بهدوء واحتراف.
اليوم، يسأل إعلاميو رئاسة الوزراء سؤالًا يبدو بسيطًا لكنه قاتل: كيف يجرؤ سالم بن بريك على إيقاف رواتب إعلاميي رئاسة الوزراء لـ11 شهرًا متتالية، بينما يصرف ملايين الدولارات شهريًا كإعاشة لقوى عاطلة في الخارج، ويمنح مثلها كمخصصات للصفوف الأول والثاني والثالث في حكومته؟
كيف صمت عن الفساد لسنوات حين كان نائبًا لوزير المالية ثم وزيرًا، ثم اليوم رئيسًا للحكومة؟، هل كان صمته صمت شريك أم صمت العاجز؟، وكيف يبرر هذا التناقض الأخلاقي بين تجويع موظفي الحكومة وتخمة جماعة الإعاشة والمسؤولين؟
يبدو أن الأزمة ليست مالية بقدر ما هي أخلاقية في جوهرها؛ حين يصبح المسؤول هو المستفيد الأول من الفوضى، ويتحوّل الفساد إلى مهارة مؤسسية، تصبح الحكومة هي المشكلة لا الحل، ويتحوّل الوطن إلى شركة مغلقة يديرها المنتفعون، بينما يُترك المواطن في طابور الانتظار — بلا راتب، بلا كرامة، وبلا أمل.
خلاصة القول: سالم بن بريك ليس ظاهرة فردية، بل مرآة تعكس انهيار فكرة الدولة نفسها؛ فحين تُختزل الحكومة في الطموح الشخصي، تُنتِج طبقة من الإداريين لا يحكمهم ضمير، بل جدول صرف.. ذلك ما أسميه: الفساد المتفائل — الفساد الذي يبرر نفسه بالقانون، ويتباهى بأنه ضروري لاستمرار الإدارة.
وفي بلد كاليمن، حيث اعتاد الناس الجوع كما يعتادون الطقس، يصبح الإنكار أسلوب حكم، ويصبح الصبر بديلاً عن الحقوق.
ولذلك، حين يسقط بن بريك — وهو سيسقط عاجلًا أم آجلًا — لن يسقط كشخص، بل كنموذج للحكومة التي تحيا في حسابات مسؤوليها وتموت في جيوب موظفيها.
نموت نموت.. وتبقى مخصصاته شاهدةً على عصرٍ جعل من الفساد مهنة رسمية، ومن الصمت فضيلة وطنية.