المقاتل الجنوبي… حين تصبح الأخلاق سلاحاً لا يُهزم

الخميس - 04 ديسمبر 2025 - الساعة 06:56 م بتوقيت العاصمة عدن

تقرير "عدن سيتي" خاص



ما يميّز المقاتل الجنوبي لم يكن يوماً حجم السلاح ولا إتساع الأرض التي يقف عليها، بل ذلك المخزون الهائل من الأخلاق والقيم الإنسانية والإسلامية التي ورثها أباً عن جد؛ قيم ضاربة في جذور التاريخ، صنعت إنساناً صلباً في الحق… رقيقاً في القلب… عظيماً في الموقف.

وقد نال أهل اليمن شرف الشهادة النبوية في أكثر من موضع، فقال ﷺ:
"الإيمان يمانٍ، والحكمة يمانية"
وقال: "أتاكم أهل اليمن؛ أرقُّ قلوباً وألين أفئدة"
وفي الحديث الآخر: "الخير في اليمن".
ليست هذه مجرد فضائل تُروى… بل ملامح شخصية تُرى في سلوك اليمني حتى وهو في أقسى لحظات المواجهة.

ورغم ما شهدته البلاد من نزاعات مؤلمة وتشرذم طويل، يبقى سجِلّ المقاتل الجنوبي ناصعاً في جانب ما يُسمّى �أخلاقيات الحرب�.
فطوال العقود الماضية—ورغم حدة الإنقسام—لم يُسجَّل على أي فصيل يمني ممارسة ممنهجة للتنكيل بالقتلى، أو التمثيل بالجثث، أو الاعتداء على الأعراض كـ الأغتصاب، أو تصوير مشاهد وحشية للتفاخر.
وإن حدث تجاوز فردي هنا أو هناك، فهو سلوك شاذ يُتبرّأ منه اجتماعياً ودينياً وقبلياً، ويواجه إدانة أشد من الداخل قبل أن يُستنكر عالمياً.

حضرموت… دليل جديد يُكتب أمام أعيننا

وحتى ما نشهده اليوم في حضرموت من توترٍ عسكري وسياسي، ورغم حساسية الوضع وتشابك القوى، إلا أن المشهد حتى اللحظة يؤكد هذه الحقيقة التي نتحدث عنها.
رغم الخلاف والتنافس—يحرص الجنوبي على تجنب إراقة الدماء، ويتجنب المساس بالمدنيين أو الإعتداء على الممتلكات أو الدخول في سلوكيات تُسيء لسمعته.

وهذا السلوك المنضبط في لحظة مشحونة كهذه، دليلٌ قاطع على أن أخلاق المقاتل ليست تنظيراً ولا مبالغة، بل واقع يظهر في وقت الحقيقة.

في المقابل، رأى العالم ما جرى في السودان، وتحديداً في الفاشر، من قتل موثّق بالصوت والصورة، وجرائم اغتصاب وانتهاكات مروعة، وتفاخر بتسجيل الجرائم أمام الكاميرات؛ مشاهد خلت من أدنى درجات الإنسانية.

هذه المقارنة ليست فرحاً بمصاب أحد… لكنها تكشف عمق الفارق بين من يقاتل بضمير، ومن يُسقط آخر ما تبقى من قيم البشر.

المقاتل الجنوبي لم يُعرف بحرق القرى ولا بإهانة الأسرى، ولا بالسعي إلى ترويع المدنيين.
بل يقاتل وهو يحمل في بوصلة قلبه أربعة اتجاهات لا تتغير:

- شرف القبيلة
- أصالة الدين
- وصايا الرسول ﷺ في أهل اليمن
- وازع داخلي يقول: الحرب ضرورة… لكن الكرامة خط أحمر

ولهذا ظلّ الجنوبي—في الجبل والوادي والمدينة والبادية—عصياً على الانزلاق إلى إنعدام الأخلاق العسكرية، رغم كل ما مرّ به من آلام وصراعات.

أخلاقهم ليست ميزة عابرة، وليست حالة طارئة، وليست تصرفات أفراد.
هي هوية وطن تشكّلت عبر قرون، وتوارثتها الأجيال جيلاً بعد جيل، حتى أصبحت جزءاً من تكوين الشخصية الجنوبية.

ولهذا…
في الوقت الذي انهارت فيه أخلاقيات القتال لدى بعض الشعوب تحت ضغط الحروب، ظل الجنوبي متمسكاً بما تربى عليه:
قاتِل إن اضطررت… لكن لا تُهِن كريماً، ولا تُمسّ عرضاً، ولا تظلم ضعيفاً.

هذا هو الجنوب…
وهذه هي هوية رجالها.

فواز الشقرا
4 ديسمبر 2025

متعلقات