*«اليمن في قلب الخريطة الجديدة: من الحرب إلى إدارة النفوذ»*
الخميس - 04 ديسمبر 2025 - الساعة 08:09 م بتوقيت العاصمة عدن
تقرير "عدن سيتي" خاص
أسعد الله أوقاتكم بالخير جميعًا،
نشرت صحيفة «الأيام» العدنية العريقة أمس الأربعاء، 3 ديسمبر 2025م، مقالًا جديدًا لي بالعنوان أعلاه.
يقدّم المقال قراءة تحليلية معمّقة في التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة التي تعيد تشكيل موازين القوى في البحر الأحمر والجزيرة العربية، وانعكاس ذلك على مستقبل اليمن، وذلك من خلال تناول خمسة محاور رئيسية متكاملة:
• التحوّل في الرؤية السعودية تجاه الملف اليمني
• صعود البحر الأحمر كمسرح جيوإستراتيجي دولي
• إعادة تموضع القوى اليمنية الثلاث
• جيواقتصاد الممرات والموانئ
• والانتقال من الحرب إلى مرحلة «إدارة النفوذ»
وهي *محاولة لرسم الصورة البانورامية الكاملة للحظة الإقليمية الراهنة، وما تفتحه من فرص وتحديات أمام اليمن.*
أتمنى لكم جميعًا قراءة مفيدة وأرحب مع جزيل الشكر بكل المداخلات والملاحظات والإستفسارات.
⸻
*النص الكامل للمقال:*
**اليمن في قلب الخريطة الجديدة: من الحرب إلى إدارة النفوذ**
بقلم: السفير د. محمد قباطي
*قراءة في التحول الإقليمي الذي يعيد رسم اليمن عبر البحر الأحمر وشبكات النفوذ*
تمرّ المنطقة بتحوّل استثنائي يعيد تشكيل خرائط النفوذ والممرات البحرية وأدوار الدول، بطريقة تتجاوز حدود النزاع اليمني إلى إعادة هندسة المشهد الإقليمي بأكمله. فاليمن، رغم الحرب الطويلة، يعود اليوم إلى مركز دورة التحوّل بوصفه عقدة جغرافية تربط بين أمن الجزيرة العربية وأمن البحر الأحمر ومسارات التجارة العالمية.
*التحوّل السعودي… من إدارة أزمة إلى صياغة الإقليم*
تتعامل السعودية مع الملف اليمني اليوم من زاوية مختلفة، تستند إلى رؤية شاملة لأمن البحر الأحمر والممرات الاقتصادية. فالمملكة تعمل على بناء ترتيبات طويلة الأمد تُنهي حالة اللايقين على الحدود وتفتح المجال أمام مشاريع الربط والاستثمار التي لا يمكن أن تقوم على أرضية هشة.
هذا التحول يجعل التعامل السعودي مع اليمن، شمالًا وجنوبًا، جزءًا من استراتيجية إقليمية تسعى إلى بناء توازنات جديدة تتماهى مع مستقبل الاقتصاد الإقليمي، وليس مجرد تهدئة ظرفية أو معالجة قصيرة المدى.
*البحر الأحمر… مسرح الجيوإستراتيجية الجديد لشبكة الفاعلين الدوليين*
بعد حرب غزة وتصاعد هجمات الحوثيين على الملاحة، أصبح البحر الأحمر ملفًا سياديًا أمريكيًا وجزءًا من حسابات الأمن القومي العالمي. فالممر الذي تمر عبره النسبة الأكبر من تجارة العالم بات ساحة لإعادة تموضع الولايات المتحدة والصين وإيران ودول الإقليم. وتتقاطع في هذا الفضاء البحري مصالح واشنطن وبكين وطهران والقاهرة والرياض وتل أبيب، ما جعل اليمن عنصرًا محوريًا في معادلة الأمن البحري الدولية، ويتطلب ترتيبات جديدة تتجاوز حدود التفاهمات المحلية.
*القوى اليمنية بين إعادة التموضع وحتمية الدخول في هندسة السلطة الجديدة*
يتوزّع الداخل اليمني بين الشرعية والحوثيين والجنوب، ولكل قوة حساباتها، لكنها جميعًا مضطرة للدخول في مرحلة إعادة تشكيل السلطة وصياغة العقد السياسي القادم.
* الشرعية — رغم تراجع حضورها — تظل الإطار الذي لا يمكن تجاوزه في أي صيغة للحل. واستعادة دورها يتطلب تفعيل المؤسسات وتوحيد الخطاب وبناء تحالفات جديدة تضمن حضورًا فاعلًا في المسار الإقليمي.
* أما الحوثيون فيواجهون ضغوطًا دولية واقتصادية واجتماعية معقّدة، تجعل خياراتهم ضيقة بين الاندماج في المعادلة الجديدة أو مواجهة عزلة متفاقمة مع الوقت.
* وفي المقابل، أصبح الجنوب ركنًا مركزيًا في أي هندسة قادمة، بحضوره العسكري والسياسي والمينائي، وبوصفه مسارًا مستقلًا في حسابات القوى الإقليمية.
*جيواقتصاد الممرات… حين تتحوّل الجغرافيا إلى شبكة ربط عابرة للقارات*
لم يعد البحر الأحمر ممرًا عابرًا بل شبكة ربط كبرى تمتد من الهند والخليج إلى أوروبا وشرق إفريقيا. وفي قلب هذه الشبكة تتوزع موانئ السعودية واليمن وعُمان والقرن الإفريقي.
هذا التحول الجيواقتصادي جعل اليمن عنصرًا لا يمكن تجاوزه في أي تصور للاستقرار الإقليمي، إذ أصبحت قيمة الممرات البحرية جزءًا من تعريف النفوذ الدولي ذاته.
*نحو مرحلة إدارة النفوذ… حين تُبنى السياسة فوق موازين القوة لا فوق نصوص الماضي*
المشهد المقبل لن يقوم على حل شامل بل على ترتيبات مرنة لإدارة النفوذ، تشمل إعادة تشكيل السلطة ودمج القوى المسلحة وتوزيع الصلاحيات والموارد ضمن ضمانات إقليمية ودولية.
وهذا الانتقال يفرض على الفاعلين اليمنيين والإقليميين تجاوز منطق الصراع نحو التفكير في مستقبل الدولة والاقتصاد والموقع الإقليمي لليمن خلال العقد القادم.
إن ما يجري اليوم ليس مجرد تفاوض، بل إعادة هندسة شاملة تُعاد فيها صياغة الجغرافيا السياسية للبحر الأحمر وتُرسم خطوط الربط الاقتصادي ويُعاد تحديد موقع اليمن في شبكة النفوذ الدولية. ومن يلتقط روح اللحظة سينجح في بناء موقعه في المستقبل، أما من يتأخّر فستتحرك الأرض من تحته.