الجنوب.. دولة عائدة ومعادلة إقليمية جديدة
الأربعاء - 17 ديسمبر 2025 - الساعة 09:18 م بتوقيت العاصمة عدن
تقرير "عدن سيتي" وضاح بن عطية
في لحظات التحوّل المفصلية، لا تعود القضايا الكبرى شأناً محلياً قابلاً للمساومة، بل تتحول إلى معادلات إقليمية تعيد رسم موازين القوة والاستقرار . والجنوب اليوم يقف في قلب هذه اللحظة التاريخية، لا كقضية مؤجلة، بل كمشروع دولة عائدة فرضت حضورها من الميدان قبل السياسة، ومن الإرادة الشعبية قبل التوافقات الهشة. هنا، لم يعد الحديث عن احتمالات، بل عن واقع جديد عنوانه الواضح : إعادة بناء دولة الجنوب إستقرار إقليمي في أهم نقطة ارتكاز في خريطة العالم ولا مجال للتراجع لانه سيجعل إيران تصعد على ركام المنطقة .
لقد وصلت قضية الجنوب إلى نقطة اللاعودة. لا عودة إلى ما قبل استعادة القرار الجنوبي، ولا تراجع عن مسار تقرير المصير واستعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة. لأن ما تحقق لم يكن منحة سياسية، بل حصيلة تضحيات جسيمة صنعت مساراً لا يمكن كسره أو الالتفاف عليه.
الجنوب لن يتراجع، لأن التضحيات رسمت طريقاً لا يقبل العودة، ولأن أي محاولة للالتفاف تعني ببساطة فتح أبواب الفوضى والإرهاب من جديد ودخول المنطقة في نفق مظلم .
الجنوب لن يتراجع، لأن الإرادة الشعبية حسمت الخيار، ولأن الواقع السياسي والأمني تغيّر جذرياً. ما قبل الأمس ليس كما بعده، ومن يراهن على إعادة إنتاج الوصاية أو فرض صيغ رمادية، يراهن على وهم سقط في الميدان قبل أن يسقط في الوعي العام .
وفي قلب هذه المعادلة، تبرز حقيقة استراتيجية لا تقبل الجدل : الجنوب الغني بثرواته وموقعه الجيوسياسي يستحيل أن يُتآمر عليه أو يُسلَّم لأحزاب وتنظيمات وقبائل وأيديولوجيات متطرفة، أو لعصابات قبلية مذهبية طائفية .
لن يتم تسليم الجنوب تحت يافطة الوحدة اليمنية لعقليات تشبّعت جيناتها بثقافة الحرابة، وغُرس في وعيها وهم أحقية السيادة على الجزيرة العربية، وتحمل في كينونتها حقداً دفيناً على كل مشروع دولة حديثة. هذه القوى لا ترى لنفسها سيادة ولا حضوراً في المنطقة أو العالم إلا عبر تدمير التطور المبهر الذي تشهده السعودية والإمارات ودول المنطقة، لأنها ببساطة ، عدوة الاستقرار بطبيعتها .
من الميدان إلى السياسة، أثبت الجنوب أنه رقم صعب في معادلة الأمن الإقليمي. فالقوات الجنوبية، التي أثبتت عروبتها قولاً وفعلاً، شكّلت مع التحالف العربي، وفي مقدمته المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة خط الدفاع الأول في قطع يد إيران من جنوب الجزيرة وفي مواجهة الإرهاب والمليشيات والمشاريع التخريبية. وما تحقق على الأرض لم يكن صدفة، بل نتاج شراكة واعية بين جنوب يعرف ماذا يريد، وتحالف عربي يدرك أن معارك المستقبل لا تُدار إلا بمنطق الدولة والاستقرار .
إن الحديث عن استعادة الدولة الجنوبية لا ينفصل مطلقاً عن الحديث عن أمن واستقرار المنطقة. بل إن استقلال الجنوب يمثل إحدى أهم الدعائم الاستراتيجية لبناء توازن إقليمي مستدام، يخدم صعود المملكة نحو السعودية العظمى، ويدعم مشروع الزعيم الشاب الأمير محمد بن سلمان ورؤيته الطموحة 2030، التي تقوم على الاستقرار، والتنمية، وتجفيف منابع الفوضى، وبناء شراكات قائمة على المصالح لا الابتزاز .
وفي هذا السياق، فإن بسط السيطرة الجنوبية الكاملة على حضرموت والمهرة ليس تفصيلاً محلياً أو إجراءً إدارياً عابراً، بل إرادة شعبية جنوبية وعمل تاريخي يخدم الأمن القومي العربي والخليجي، ويحمي خطوط الملاحة الدولية، ويغلق المنافذ أمام التهريب والإرهاب، ويعيد ضبط الجغرافيا السياسية بما يتناسب مع متطلبات الاستقرار . ومن يعتقد أن ذلك لا يخدم السعودية، فهو يعيش خارج إطار الواقع، ولا يدرك أبجديات البناء ولا أساسات صناعة المستقبل المشرق .
لا حلول مؤقتة، ولا صيغ رمادية، ولا التفاف على الحق ، شعب الجنوب حسم قراره لا عودة إلى الوصاية وما تحقق لن يُسحب وغير قابل للسحب .
الاستقرار يبدأ من تمكين الأرض لأهلها ، والدولة الجنوبية العائدة ليست تهديداً لأحد، بل ضمانة للجميع. جنوب مستقر، صاحب قرار، شريك صادق في محيطه العربي، هو ركيزة أمن لا عبء، وجسر عبور للجميع نحو مرحلة جديدة من التوازن والازدهار في المنطقة بشكل عام بما فيهم الأشقاء في الجمهورية العربية اليمنية .
وهكذا، تتقاطع الحقيقة السياسية مع منطق التاريخ :
الجنوب لا تراجع… والدولة الجنوبية عائدة، ومعها تتشكل معادلة إقليمية دولية جديدة .