كاتب سعودي: المجتمعات المتقدمة لا تُقصي الفاشلين ولا تحارب الناجحين

الأربعاء - 17 ديسمبر 2025 - الساعة 01:00 م بتوقيت العاصمة عدن

عدن سيتي-متابعات



وصف الكاتب السعودي محمد الهاجري، ظاهرة محاربة الموظف الناجح في بعض المجتمعات العربية بأنها واحدة من أخطر الإشكاليات التي تُضعف بيئات العمل وتُفرغ مفاهيم التميز من معناها الحقيقي.
وأوضح الهاجري في مقاله المنشور بصحيفة "اليوم" السعودية بعنوان : " هل الموظف الناجح يُحارب في المجتمعات العربية؟ " إن هذه الظاهرة باتت تتكرر بشكل لافت في عدد من المؤسسات، حيث يُواجه الموظف المجتهد، صاحب المبادرة وروح الإنجاز، بسلسلة من الممارسات السلبية تبدأ بالتقليل من الجهد، ولا تنتهي عند التشكيك في النوايا ومحاولات الإقصاء، مؤكداً أن النجاح في بعض البيئات لا يُنظر إليه كقيمة مضافة، بل كتهديد مباشر لمصالح ضيقة أو لعقليات اعتادت الركود.
وقال إن الموظف الناجح يتميز عادةً بامتلاكه حماس العمل، وصدق الانتماء، والإخلاص في الأداء، حيث يبدأ يومه بطاقة إيجابية، ويؤدي مهامه بإتقان دون انتظار الإشادة أو المكافأة الفورية، إلا أن هذا النموذج يتحول في بعض المجتمعات إلى حالة مستفزة، لأن الإنجاز الحقيقي يكشف مواطن الخلل ويُحرج ثقافة اللامبالاة.
وأشار الكاتب إلى أن محاربة النجاح لا تكون دائماً مباشرة، بل غالبًا ما تُمارس بأساليب ناعمة وخفية، مثل التهميش، وتقييد الصلاحيات، وحرمان الفرص، وإشاعة الشكوك، مؤكداً أن هذه الممارسات أخطر من المواجهة الصريحة، لأنها تُنهك المتميز نفسياً وتدفعه إما للانسحاب أو للبحث عن بيئة بديلة تُقدر قدراته.
وبين الهاجري أن المشكلة لا تتعلق بالأفراد بقدر ما ترتبط بثقافة مؤسسية غير صحية، لا تؤمن بالتميّز ولا تحسن إدارة الاختلاف، مشدداً على أن المجتمعات التي تحارب الناجحين تُنتج بيئات طاردة للكفاءات، وتدفع العقول المبدعة إلى الهجرة، مما ينعكس سلباً على الإنتاجية والاستقرار الوظيفي والتنمية المستدامة.
وأضاف أن التقدم الحقيقي لا يُقاس بعدد الأنظمة أو الخطط، بل بمدى قدرة المؤسسات على حماية المتميزين، وتمكينهم، والاستفادة من طاقاتهم، مؤكداً أن حماية النجاح ليست خياراً إدارياً، بل شرطاً أساسياً لبقاء المؤسسات واستمرار المجتمعات في مسار التطور
ولفت الهاجري إلى أن التجارب العالمية أثبتت أن المجتمعات المتقدمة لا تُقصي الفاشلين ولا تحارب الناجحين، بل توفر بيئة عادلة تُعالج التعثر وتكافئ الإنجاز، مستشهداً بمقولة العالم الراحل أحمد زويل: «الغرب ليسوا عباقرة، ونحن لسنا أغبياء، هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح، ونحن نحارب الناجح حتى يفشل»، معتبراً أن هذه العبارة تلخص الفارق الجوهري بين بيئات تصنع النجاح وأخرى تُطفئه.
وأكد الكاتب أن الموظف الناجح، مهما اشتدت عليه العواصف، يبقى أكثر صلابة، لأن النجاح الحقيقي لا يُقاس بالتصفيق المؤقت، بل بالثبات على المبادئ، والاستمرار في العطاء، موضحاً أن التاريخ لا يتذكر من حاربوا التميز، بل من صنعوه وحموه.
واختتم الهاجري مقاله بالتأكيد على أن بناء بيئات عمل عادلة ومحفزة يبدأ من تغيير الثقافة قبل تغيير الأنظمة، ومن الإيمان بأن الإنسان هو رأس المال الحقيقي، مشدداً على أن المجتمعات التي تريد المستقبل لا بد أن تتوقف عن محاربة الناجحين، وأن تبدأ بحمايتهم وتمكينهم ليكونوا شركاء حقيقيين في البناء والتنمية.

متعلقات