الأربعاء-05 نوفمبر - 11:47 ص-مدينة عدن

زلزال نيويورك السياسي: حين يهتز عرش التطبيع بفوز مسلم من أحياء المقهورين

الأربعاء - 05 نوفمبر 2025 - الساعة 09:07 ص بتوقيت العاصمة عدن

نيو يورك " عدن سيتي " نجم الكندي





في فجرٍ سياسيّ غير مألوف، استفاقت نيويورك، المدينة التي لا تنام، على خبر هزّ الولايات المتحدة والعالم: فوز المرشح الديمقراطي المسلم زهران ممداني بمنصب عمدة نيويورك. حدثٌ لم يكن في الحسبان، لا عند صانعي القرار في واشنطن، ولا في تل أبيب، ولا في قصور الخليج التي راهنت طويلًا على أن صوت المسلم في أمريكا سيظل هامشيًّا، وأن بوابة السياسة الكبرى محروسة بمال اللوبيات ونفوذ الكيان الصهيوني. لكنّ التاريخ لا يستأذن أحدًا حين يقرر أن يتغيّر.

زهران ممداني، ابن مهاجر إفريقي من أوغندا وأمٍّ هندية، جاء من أحياء البسطاء، من هناك حيث يُنحت النجاح بالصبر والكرامة، لا بالميراث والصفقات. حمل قضايا المهمّشين في يده، وحمل اسمه المسلم في قلبه دون أن يخاف أو يجمّل. تحدّث عن فلسطين، وعن العدالة، وعن حق الفقراء في أن يعيشوا بكرامة وسط ناطحات نيويورك، فوجد آذانًا سئمت الكذب السياسي، وقلوبًا تشتاق لوجوه جديدة لا تُباع ولا تُشترى.

في إسرائيل، كان الخبر بمثابة ناقوس خطر. كيف لمدينةٍ تضمّ واحدة من أكبر الجاليات اليهودية في العالم أن تنتخب رجلاً لم يُخفِ يومًا موقفه المناهض لسياسات الاحتلال، ووصف علنًا ما يجري في غزة بـ “الإبادة”؟ مقالات القلق امتلأت في الصحف الإسرائيلية: هل بدأ الرأي العام الأمريكي يتغيّر؟ هل نفوذنا في الإعلام والمال كافٍ بعد الآن؟ أسئلةٌ مرعبة بالنسبة لصانعي القرار هناك، لكنها مُفرحة لقلوب ملايين العرب والمسلمين الذين طالما رأوا أن أمريكا لا تسمع إلا صوت إسرائيل.

أما الرئيس السابق دونالد ترمب، فقد انفجر كالعادة. وصف ممداني بأنه “شيوعي مختلّ”، وقال إن فوزه دليل على “سقوط نيويورك في يد اليسار المتطرّف”. لكن خلف الغضب، كان ترمب يُدرك أن ما جرى ليس مجرّد انتخابات بل تحوّل في وعي الأمريكيين أنفسهم — جيل جديد لا يرى في الإسلام تهديدًا، ولا في فلسطين “قضيةً محرّمة”. جيل تربّى في زمن الإنترنت، وفضح الأكاذيب، وكسر احتكار الصورة التي رسمتها الدعاية الصهيونية لعقود.

وفي عواصم الخليج التي هرولت نحو التطبيع، بدا الصمت ثقيلاً. كيف ستتعامل هذه الأنظمة التي قدّمت أوراق اعتمادها لتل أبيب مع مشهد أمريكي جديد يتحدّث بلغة العدالة لا المصلحة؟ كيف ستبرّر تحالفها مع إسرائيل أمام شعوبٍ ترى اليوم أن مدينة أمريكية كبرى اختارت مسلمًا يقول بصوتٍ واضح: الاحتلال جريمة، والكرامة لا تُشترى بالنفط ولا بالسلاح؟ صحيح أن منصب عمدة نيويورك لا يقرّر سياسة واشنطن الخارجية، لكنه يرمز إلى ما هو أعمق: تغيّر المزاج الأمريكي من الداخل، وبدء تصدّع جدار النفوذ الإسرائيلي في الرأي العام.

ما حدث في نيويورك لا يخصّها وحدها، بل هو حدثٌ أكبر من كرسي عمدة، وأعمق من حدود مدينة. إنه إعلان رمزي عن بداية عصر جديد: عصرٍ يستطيع فيه المسلم، والعربي، وكل إنسان يحمل قضيّة عادلة، أن يصعد إلى المنبر الأعلى في قلب أمريكا دون أن يعتذر عن هويته. هو صفعة ناعمة على وجوه من ظنّوا أن التطبيع قدر، وأن الكلمة العربية لا تُسمع إلا في المقاهي، لا في قاعات القرار.

فوز زهران ممداني ليس هزيمة لإسرائيل وحدها، ولا لترمب وحده، ولا لأنظمة الخليج التي باعت ضمائرها؛ بل هو هزيمة للخوف، وانتصارٌ لفكرة أن العالم يمكن أن يتغيّر متى ما قرّر الناس أن يصوّتوا للحقّ، لا للمال. نيويورك اليوم لم تنتخب رجلاً فقط، بل انتخبت ضميرًا جديدًا. وفي هذا الضمير، تتردّد أصوات غزة، وأنين القدس، وأحلام الشعوب التي لم تعد تخاف أن تحلم.

متعلقات