زيارة الزُبيدي إلى موسكو.. قراءة في الحسابات الروسية ودور موسكو القادم في الجنوب واليمن
الجمعة - 31 أكتوبر 2025 - الساعة 10:27 م بتوقيت العاصمة عدن
تقرير "عدن سيتي" خاص
في توقيت سياسي حساس، جاءت زيارة الرئيس عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، نائب رئيس مجلس القيادة إلى موسكو لتفتح بابًا واسعًا من التساؤلات والتحليلات حول أهداف الزيارة وأبعادها، وما تعنيه من وجهة النظر الروسية، في ظل تصاعد التوترات في المنطقة، وتعقيد المشهد اليمني، وتغير أولويات الفاعلين الدوليين.
أولًا: الأهمية الاستراتيجية للجنوب بالنسبة لروسيا
من وجهة نظر موسكو، لا يمكن القفز على الأهمية الجيوسياسية للجنوب اليمني، وخصوصًا مناطقه الساحلية المطلة على خليج عدن وباب المندب، وهو ممر مائي حيوي للتجارة الدولية، ويمثل شريانًا بحريًا يربط الشرق بالغرب. لطالما رأت روسيا في الجنوب منفذًا استراتيجيًا هامًا، وكان لها حضور تاريخي قوي في عدن قبل الوحدة اليمنية، وتعاون عسكري وأمني واقتصادي مع جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
تبحث روسيا اليوم عن تعزيز نفوذها في البحر الأحمر والقرن الأفريقي، وفي ضوء التنافس المحموم مع الغرب، تبرز عدن وسواحل الجنوب كمواقع مثالية لإعادة التموضع الروسي في المياه الدافئة. وبالتالي، فإن زيارة الزبيدي تمثل فرصة لموسكو لإعادة ربط مصالحها في الجنوب بحليف قوي على الأرض.
ثانيًا: العلاقات التاريخية ودور الذاكرة السياسية
لا تنطلق موسكو من فراغ في تعاملها مع الجنوب. العلاقات التاريخية بين الاتحاد السوفييتي سابقًا وجمهورية اليمن الديمقراطية ليست مجرد ذكريات، بل قاعدة يمكن البناء عليها. كثير من القيادات الجنوبية تلقّت تعليمها أو تدريبها في موسكو، وهناك شعور متبادل بالاحترام والثقة بين الطرفين، رغم التغيرات السياسية الكبرى التي طرأت خلال العقود الأخيرة.
من هذا المنطلق، تنظر روسيا إلى الجنوب كجهة سياسية يمكن الاعتماد عليها، وتحظى بقاعدة شعبية واضحة، وقوة عسكرية منظمة، وهو ما يمنح أي علاقة معها طابعًا عمليًا بعيدًا عن المراهنات الهشة.
ثالثًا: روسيا وسياسة "الجسور" لا (الاستقطاب)
واحدة من نقاط القوة في الدور الروسي، هو قدرة موسكو على الحفاظ على علاقات جيدة مع مختلف الأطراف اليمنية، من الشمال إلى الجنوب، ومن صنعاء إلى عدن. لا تنخرط روسيا في سياسة المحاور، ولا تنحاز بشكل فج لطرف على حساب الآخر، ما يمنحها ميزة في لعب دور الوسيط المقبول، والضامن المحتمل لأي تسوية قادمة.
في هذا السياق، زيارة الزبيدي إلى موسكو ليست فقط لتعزيز العلاقات الثنائية، بل أيضًا لإيصال رسالة سياسية للداخل والخارج مفادها أن الجنوب يمتلك شرعية سياسية قادرة على فتح الأبواب في العواصم الكبرى.
رابعًا: دور روسيا المحتمل في التسوية والضمانات
روسيا، بحكم مقعدها الدائم في مجلس الأمن، وبعلاقاتها المتوازنة مع كل من إيران، ودول الخليج، والأطراف اليمنية، مؤهلة لأن تلعب دورًا محوريًا في أي تسوية سياسية قادمة، وخصوصًا في توفير الضمانات اللازمة لأي اتفاق دائم، سواء في الشمال أو الجنوب.
كما أن موسكو قادرة على كبح أي اندفاعات إقليمية قد تجهض فرص السلام، أو تُعيد تدوير الصراع، عبر آليات الحوار وتبادل المصالح.
خامسًا: الرسائل التي تحملها الزيارة
زيارة الرئيس الزبيدي إلى موسكو هي رسالة بثلاثة اتجاهات:
- أولًا، إلى الداخل الجنوبي، بأن القيادة السياسية تتحرك دوليًا وتكسب اعترافًا سياسيًا متزايدًا.
- ثانيًا، إلى القوى الإقليمية والدولية، بأن الجنوب رقم صعب لا يمكن تجاوزه أو تجاهله في أي حل قادم.
- ثالثًا، إلى روسيا نفسها، بأن الجنوب مستعد لشراكة حقيقية ومستقرة، قائمة على المصالح المشتركة واحترام السيادة.
خلاصة القول
روسيا تنظر إلى الجنوب باعتباره بوابة استراتيجية نحو البحر العربي والمحيط الهندي، وبأن السلام في اليمن لن يتحقق دون حل جذري للقضية الجنوبية. ومن هنا، تشكل زيارة الزبيدي إلى موسكو نقطة تحوّل قد تؤسس لمرحلة جديدة من الانفتاح الجنوبي على الشرق، وتمنح موسكو موطئ قدم ثابت في خارطة الصراع والتسوية اليمنية، وهو ما يُعيد الجنوب إلى واجهة التأثير الإقليمي والدولي.
دنيس كوركودينوف رئيس المركز الروسي الدولي