الأحد-17 أغسطس - 02:54 ص-مدينة عدن

تجربة الحزب الاشتراكي ومأزق الهوية في الجنوب

الأحد - 17 أغسطس 2025 - الساعة 12:28 ص بتوقيت العاصمة عدن

عدن " عدن سيتي " صالح ابو عوذل




تجربة الحزب الاشتراكي ومأزق الهوية في الجنوب



قبل أشهر، زارني أحد الضباط في قوات دفاع شبوة، يحمل بين يديه توصيات رسمية موقّعة من قيادته العسكرية، موجهة إلى وزير الدفاع ومعهد صلاح الدين العسكري، لقبوله في دورة إعداد قادة كتائب.
الضابط – الذي أنهى جزءًا من دراسته في الكلية الحربية بصنعاء قبيل الحرب، وأكمل البكالوريوس لاحقًا في عدن – طرق أبواب المؤسسة العسكرية في عدن، لكنه فوجئ برفض طلبه. حاول مرارًا دون جدوى. حتى حين اتصلت بمسؤول عسكري رفيع، جاء الرد بأن الدورة قد استكملت، مع وعد بفرصة لاحقة.

بعد فترة، سألته إن كان قد التحق بالدورة، فابتسم بمرارة وأطلق كلمات مؤسفة تكشف عن عقلية تمييز مناطقي بدأت تترسخ في بعض المفاصل، عقلية تهدد ما تبقى من أمل ببناء وطن يتساوى فيه الجميع.
المشهد لم يكن معزولًا. فثمة ضابط آخر من اللواء 119 مشاة، الذي يقوده العميد ركن سالم علي لهطل، توجّه هو الآخر إلى معهد صلاح الدين بتوجيهات عسكرية رسمية، لكنه مُنع من الدخول. وربما هناك أمثلة كثيرة مشابهة.

لماذا أورد هذه النماذج؟ لأنها ببساطة تكشف أن الشعور بالتمييز المناطقي في المؤسسة العسكرية يشكّل خطرًا وجوديًا على مستقبل الوطن. الصمت عن هذه الممارسات ليس خيارًا، فالوطن للجميع، وإقصاء أي مكوّن لا يؤدي إلا إلى تآكل الثقة الوطنية.

منذ سنوات، أدعو إلى التمسك بخيار الهوية الوطنية الجامعة، بعيدًا عن الخطابات الصغيرة التي تستبدل الانتماء للوطن الكبير بانتماءات محلية ضيقة. نعم، للهوية المحلية قيمتها واحترامها، لكنها لا يمكن أن تكون بديلًا عن الوطن، ولا أن تتحول إلى جدار عازل بين أبنائه.

وإذا عدنا إلى جذور الأزمة في الجنوب، سنجد أن المسألة في جوهرها مشكلة هوية وطنية. الحزب الاشتراكي اليمني – رغم كل ما يُقال عن تجربته – حاول أن يقدّم صيغة جامعة عبر مشروع "اليمننة". قد يكون الهدف منه الهروب من الصراعات المناطقية، لكنه على الأقل صنع مظلة أوسع يتشارك فيها الجميع. بل إنه ألغى الأسماء المناطقية للمحافظات الجنوبية، واستبدلها بأرقام من (1 – 6)، في محاولة لتذويب العصبيات. ومع ذلك، لم ينجُ الحزب من الانقلابات والصراعات التي بلغت ذروتها في أحداث 13 يناير 1986م.

اليوم، ونحن في بدايات مسار سياسي جديد، نرى ملامح صراعات مناطقية تتجدد. والسؤال: كيف سيكون حال الجنوب إذا قامت دولته في ظل هذه البذور السامة؟ أخطر ما يمكن أن نرتكبه هو إعادة إنتاج نموذج النظام اليمني الذي دمّرته المحاصصة والتمييز المناطقي، حتى انتهى إلى سقوط لم يكن يتوقعه حتى ألد أعدائه.

الهويات الوطنية ليست ترفًا. هي الأساس الذي يحمي الدول من التفكك. انظروا إلى شعوب الجوار: المصري يعتز بمصريته، والسعودي بسعوديته، والإماراتي والعُماني بهوياتهم الوطنية الجامعة. حتى الدول الفدرالية الكبرى، كالولايات المتحدة وبريطانيا، ظل الانتماء الوطني فيها هو الجامع الأعلى، بينما تبقى الانتماءات المحلية مجرد تفصيل ثانوي.

رسالتي اليوم واضحة: توقفوا عن تكريس المناطقية، ولو في تدوينة عابرة على فيسبوك. مثل هذه الممارسات قد تبدو صغيرة الآن، لكنها قد تنسف حلم الأجيال القادمة بدولة يسودها النظام والقانون، دولة تُبنى على وعي وطني جامع، لا على شروخ الانتماءات الضيقة.

#صالح_أبوعوذل



متعلقات