التعبير البصري بالمغرب في كتاب «الصورة الفوتوغرافية» | سعيدة شريف

الجمعة - 07 يونيو 2024 - الساعة 01:51 ص بتوقيت العاصمة عدن

المغرب " عدن سيتي Z.Alsalmi متابعات




كتاب .. الصورة الفوتوغرافية.. للمغربي جعفر عاقيل.. يرصد التعبير البصري بالمغرب ويسائل متونه






التعبير البصري بالمغرب في كتاب �الصورة الفوتوغرافية� | سعيدة شريف
القسم الاول

عدسة داوود أولاد السيد

كتاب �الصورة الفوتوغرافية� للمغربي جعفر عاقيل.. يرصد التعبير البصري بالمغرب ويسائل متونه

على الرغم من كوننا نعيش في عالم الصورة بامتياز أو �نحيا حياة الصورة�، كما يقول رولان بارث، فإن التصوير الفوتوغرافي أو الفن المختص بالتقاط الصور ما زال يطرح الكثير من الأسئلة في الغرب والشرق، خصوصا مع التحولات التي عرفها هذا الفن العجيب والرهيب في الوقت نفسه، والتأثيرات التي مارسها ومازال لكونه شفرة تكثف الحقائق وتلخص الحكايات، وخير مثال على ذلك صور الحرب في غزة التي نعيشها يوميا وتنقل لنا آلاف القصص المؤلمة.

 

قد تكون الفوتوغرافيا تقنية مستوردة من عالم غربي يتحكم في كل شيء، كما هو حال الكثير من المستوردات في حياتنا، ولكنها تعد نافذة نستعيد من خلالها ما ضاع من الكلام أو ما استعصى على الكلام الإنساني، لأن التصوير، كما جاء في تقديم الدكتور سعيد بنكراد لكتاب الفنان والكاتب المغربي جعفر عاقيل �الصورة الفوتوغرافية�، ليس �استنساخا لعالم ثابت في المكان أو هارب من زمنية لا تتوقف، إنه صيغة أخرى من الصيغ التي استعان بها الإنسان من أجل إنتاج حقائق أودعها في لغته وإيماءاته واستعمالاته المضافة لأشياء محيطه وكائناته، وذاك ما يشكل الواجهات التي يحضر من خلالها المخيال البصري في الفضاء العمومي�.

التعبير البصري بالمغرب

ولعل هذه الصيغة هي ما حاول الفنان والمصور الفوتوغرافي جعفر عاقيل تضمينها في هذا الكتاب، والنبش فيها والتفكير في التعبير البصري من وجهة نظر مغربية، من خلال رصد تاريخي للفوتوغرافيا الحديثة العهد بالمغرب، ورسم بعض ملامح تطورها وإنجازاتها وإخفاقاتها أيضا، حيث يسائل الفنان متونا كما تحققت في الممارسة الفنية، وكما تلقاها النقاد وجمهور محبي الصورة، التي أصبحت طاغية في الحياة اليومية للمغاربة، بعدما كانت لفترة طويلة تتحرك على هامش ما يصنف ضمن فنون البصر.

صورة لِـ نور الدين الغماري

صورة لِـ أحمد بنسماعيل

وفي تقديمه لهذا الكتاب، الذي اهتم بما أهمله الكثير من الباحثين في ميدان التعبير التصويري بالمغرب، يقول الفنان جعفر عاقيل رئيس الجمعية المغربية للفن الفوتوغرافي والمدير الفني لـ ملتقيات الرباط للفوتوغرافيا، إن الفكرة الأساسية التي يحاول هذا الكتاب بلورتها أو على الأقل إثارة الانتباه إليها، تتحدد في �الانشغال بمناقشة ما رسخته نظرة الفوتوغرافيين من تقاليد المشاهدة، وبالتالي التداول في أفكار وسنن وقيم وممارسات جديدة في المجتمع. سواء من خلال إسهامات نظرة الذات الـمتموضعة خلف مصوبة الكاميرا، أو تلك التي تقف جامدة أمام شبحية الفوتوغرافي، أو نظرة ذات المشاهد/القارئ للمنتج الفوتوغرافي�.

ويضيف بأن الحديث عن النظرة، هو في واقع الأمر حديث عن الآليات التي تشتغل بها الفوتوغرافيا، وكذلك حديث عن الأشكال التي تظهر بها هذه الأخيرة وعن التعبيرات التي تنتجها وعن الأحاسيس والانفعالات التي تولدها في وجدان المشاهد/القارئ. لقد كانت الغاية من كل ذلك، كما يقول، هو الانصات إلى خفقات هذه الأخيرة وسبر أغوارها وفهم إيحاءاتها المرتبطة تارة بخلق المتعة البصرية، وحينا بمزاولة التأثير قصد استدراج الأفراد إلى استهلاك منتجات وخدمات وأفكار، إنها ممارسة لغواية من نوع خاص، هي تلك التي تمكن أصحاب القرار، في كل مواقع السلطة، إلى التحكم في سلوكهم. إن التفكير في جوهر النظرة التي تقوم عليها الفوتوغرافيا من شأنه أن يقربنا كذلك من إدراك أسرار هذه المرآة الساحرة، وتقودنا إلى فهم أدوارها ووظائفها وتأثيراتها وأيضا انشغالات العاملين في مجالاتها.

ويتوزع كتاب الصورة الفوتوعرافية الصادر عن المركز الثقافي للكتاب ٢٠٢٣، والواقع في ١٩١ صفحة من الحجم المتوسط، إلى ثلاثة أقسام، يتناول القسم الأول تاريخ الفوتوغرافيا المغربية وثيماتها وأساليب ورؤى بعض المشتغلين بها كالفنان والمخرج السينمائي داوود أولاد السيد، ويتناول القسم الثاني استعمالات الفوتوغرافيا في الحياة اليومية كالإشهار والصحافة والخطاب السياسي ومواقع التواصل الاجتماعي، مع التركيز على الآثار المختلفة التي يتركها هذا التوظيف في نفسية المشاهد/ القارئ وذهنه. أما القسم الثالث فخصصه الباحث لأثر الفوتوغرافيا في الكتابات السردية المغربية والتفاعلات التي صارت تنسجها في الرواية والسيرة الذاتي تحديدا.

عدسة بيدرو أنطونيو دي ألركون Pedro Antonio De Alarcon

ومضات حول الفوتوغرافيا بالمغرب

وفي القسم الأول من هذا الكتاب المرجعي المهم، قدم الباحث مجموعة من الومضات الأساسية حول الفوتوغرافيا المغربية، جاء فيها أنه على الرغم من شح المعلومات التاريخية عن كيفية دخول الفوتوغرافيا إلى المغرب وردود أفعال الساكنة حولها، فإنه يمكن الزعم بأن احتكاك المغاربة بها كان مبكرا، ذلك أن مجموعة من الدراسات والأبحاث تجمع على أن تعرف المغاربة عليها يعود إلى بداية المنتصف الثاني من القرن التاسع عشر، وتحديدا سنة 1859، أي تزامنا مع زيارة الكاتب الفوتوغرافي الإسباني بيدرو أنطونيو دي ألركون Pedro Antonio De Alarcon  لمدينة تطوان في إطار مهامه كجندي أولا ومراسل حرب ثانيا. وأنه مباشرة بعد هذا التاريخ، ستتوالى زيارة المصورين والفوتوغرافيين والعسكريين والإثنوغرافيين إلى أرض المغرب بوتيرة منتظمة حينا، ومتقطعة أحيانا أخرى، ولكن العنصر المشترك والبارز في هذه الزيارات، هو فكرة التسويق والدعاية للتمدن والتحضر الذي حملته إدارة الاستعمار إلى المغرب عبر الاعتماد على حامل الفوتوغرافيا، والتوثيق لطريقة عيش المغاربة وكيفية تأثيثهم لفضاءاتهم الداخلية والخارجية، وطريقة لباسهم وممارستهم للشعائر والطقوس الدينية، وتوظيف كل تلك المنتوجات والحوامل البصرية في بطاقات بريدية أو صور لأغلفة الكتب والمجلات، وملصقات إشهارية.

وبالموازاة مع هذه التوظيفات، سيعرف المجتمع المغربي نقاشا طويلا حول التصوير الفوتوغرافي، وستتراوح ردود الفعل بين رافض لهذا الفن من قبل المتشددين والرافضين للتجديد، وبين مقبل عليه، خاصة النخبة المثقفة والمتنورة التي رأت في الفوتوغرافيا وسيطا لحفظ الذاكرة وتخليد الأثر، حيث أقدم السلطان مولاي عبد العزيز مع مطلع سنة 1901 على خطوة الانفتاح على الآلة الفوتوغرافية لتخليد الأنشطة والمناسبات التي تعرفها إقامته السلطانية. وستسمح هذه الخطوة إلى تغيير السحنات المصورة وتحويلها من وضع المؤثث للصورة إلى الفاعل والمنتج للمعنى، وهو ما سيدفع إلى ظهور ميولات لدى المغاربة للبحث في أسرار هذه المرآة الساحرة، التي سيصبح لها حضور متقدم في المشهر السياسي والإعلامي والاقتصادي منذ المنتصف الثاني لثلاثينيات القرن الماضي، بعد ظهور مجموعة من استوديوهات التصوير بفاس والدارالبيضاء والرباط ومكناس ومراكش وطنجة.

أقدم السلطان مولاي عبد العزيز مع مطلع سنة 1901 على خطوة الانفتاح على الآلة الفوتوغرافية لتخليد الأنشطة والمناسبات التي تعرفها إقامته السلطانية

الفوتوغرافيا كوسيط فني

غبر أن الانطلاقة الحقيقية للفوتوغرافيا، كما جاء في هذه الومضات التقديمية للكتاب، لن تكون إلا في نهاية ستينيات وبداية سبعينيات القرن الماضي، حيث لم تعد الآلة الفوتوغرافية مجرد وسيط للتوثيق والإخبار، بل أصبحت وسيطا فنيا للتعبير والتفكير، تخصص له معارض فنية وتفسح له آفاق للنقاش في المجلات الثقافية المتخصصة، وتعرف بأعلامه وتواكب أعماله، من مثل مجلات: أنفاس، لاماليف، الثقافة الجديدة، أنتيكرال وغيرها. وفي تلك المرحلة سيظهر أول ألبوم فوتوغرافي في تاريخ الفوتوغرافيا المغربية سنة 1974 لمحمد بنعيسى، وسنة 1976 سيحرز الفنان الناضر التهامي على جائزة النقد التي تمنحها �ملتقيات آرل للفوتوغرافيا� بفرنسا. ومع مطلع ثمانينيات القرن الماضي ستعرف الفوتوغرافيا المغربية تحولات مهمة بتعدد المعارض الفردية والجماعية، وظهور مسابقات وورشات تكوينية وتأسيس نوادٍ بمجموعة من المدن، وستبرز أسماء ما زال للبعض منها حضور في مشهدنا الفني الحالي، كعبد الرزاق بن شعبان، وداوود أولاد السيد، وعزالدين العلمي، وعبد الحميد الرميلي، وحميد الزروالي، وأحمد بنسماعيل، ومحمد مالي وآخرين.

داوود أولاد السيد

أحمد بنسماعيل

فوزية علمي

نور الدين الغماري

عبد الرزاق بنشعبان

وتميزت أعمال هؤلاء الفنانين، كما يقول جعفر عاقيل، بالجمع في أسلوبها الفني بين التوثيقية والتعبيرية، والاشتغال على موضوع المدينة المغربية في تعددها وتحولاتها وتضادها وهجنتها، والانشغال بإيجاد تأطيرات بتقطيعات وتركيبات بصرية تنشد الملتبس والمنفتح وتقطع مع اللقطات الجامدة والكسولة. وفي نهاية هذا العقد سيعرف المغرب ثلاثة أحداث فوتوغرافية مهمة، أولها تنظيم معرض فوتوغرافي جماعي سنة 1987 بمبادرة من الناشرة ليلى الشاوني، صاحبة �دار نشر الفنك�، بمناسبة الدورة الأولى من المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدارالبيضاء، وثاني هذه الأحداث هو ميلاد الجمعية المغربية للفن الفوتوغرافي سنة 1988 بالقنيطرة بمبادرة من الفنان عبد الحميد الرميلي. أما ثالثها فهو صدور ثاني ألبوم فوتوغرافي في تاريخ النشر الفوتوغرافي بالمغرب سنة 1988 تحت عنوان �مغاربة�، وهو من توقيع الفنان داوود أولاد السيد. لتتوالى بعد ذلك المعارض واللقاءات المهتمة بالفن الفوتوغرافي، ويتم التسليط الضوء على هذا التعبير الفني، وستظهر أسماء جديدة كحسن نديم، والتهامي بنكيران، وميلود ستيرة، وجعفر عاقيل، وفوزية العلمي، ونور الدين الغماري، وغيرهم من المبدعين في فن التصوير الفوتوغرافي الذين احتكوا بالتجارب الغربية وواكبوا تطورات هذا الفن الذي أضحى أداة للتعبير عن الرؤى والمواقف الإنسانية، فتمكن مجموعة من الفنانين من إثارة قضايا وإشكالات راهنة وحارقة كالهجرة السرية، والحدود، والتطرف، وغيرها من المواضيع التي انخرط الفنانون من خلالها في كتابة تاريخ المغرب المعاصر بلغتهم الخاصة.

صورة لِـ داوود أولاد السيد

وأثار الفنان والكاتب جعفر عاقيل في القسم الأول من هذا الكتاب الكثير من القضايا والأسئلة المتعلقة بالفوتوغرافيا المغربية اليوم، والأساليب والتوجهات الفنية السائدة، وطبيعة ونوعية التراكمات الشكلية والمضمونية والتقنية التي تحققت في هذا المجال، ومدى إسهام الدراسات النقدية في تأطير هدا المنجز الفوتوغرافي المغربي، وما تحقق من كتابات تأريخية وتوثيقية له، كما تناول تجربة الفنان داوود أولاد السيد، التي زادت من حضور ومكانة الصورة الفوتوغرافية في المشهد الإعلامي والثقافي والفني، ورسخت صورة ووضعية الفنان الفوتوغرافي بالمجتمع المغربي، وتحدث عن تقنياته في التصوير واستعماله المتكرر للشبحية ذات الزاوية الواسعة، وتركيزه على تصوير مغرب الهامش سواء في القرى أو الأحياء الهامشية بالمدن، وهي صور تحكي قصصا عن المغرب العميق من خلال التركيز تارة على تصوير وجوه شخوص مسنة أو شابة، وتارة أخرى تصوير فضاءات مهجورة أو شبه فارغة، حيث يمكن الحديث في تجربة داوود أولاد السيد، كما ذكر عاقيل، عن مجموعة من المكونات الأساسية في تقنيات التصوير لديه، من ضمنها مكون طبيعة المسافة التي يؤسسها الفنان مع موضوعه المصور، الموسومة بالبعد أحيانا وبالقرب أحيانا أخرى، وهذا القرب هو المكون الغالب على صوره النابع من اختياره الإنسانوي. ويرتبط المكون الثاني بسؤال الوضعية/ الهيأة التي يحضر بها جسد الشخوص في اللقطة المصورة. أما المكون الثالث فيرتبط بتقنية الانعكاس المرآوي L’image mise en abyme، والتي يتخذ حضورها في منتج داوود أولاد السيد شكل صور موازية ومواكبة للموضوعات الرئيسة تهتم بها الفوتوغرافيا، لكنها في الوقت نفسها متفاعلة جدا معها.



يتبع القسم الثاني والثالث









ضع كود التضمين المنسوخ من تويتر او الفيس بوك هنا

متعلقات