الثلاثاء-22 يوليو - 09:08 ص-مدينة عدن

المتحف الحربي .. هُوية في خطر ( صور )

الجمعة - 25 مارس 2022 - الساعة 06:29 ص بتوقيت العاصمة عدن

عدن - عدن سيتي - تقرير . محمد النجار


قصتنا اليوم عن مبنى جذاب في قلب مدينة كريتر يفرش ذراعيه على شارع عريق سمي باسمه, يتكون من طابقين عريضين,وواسعين.. العقود الصفراء تتخلخل واجهته, خلطة البوميس مع الحجر الشمساني والخشب الأحمر الرابض في سقفه ونوافذه وأبوابه يضفي عليه طابع المعمار العدني المتميز, يعتبر من أروع المباني القديمة في المدينة العتيقة كريتر, ويعد تحفة هندسية بالغ الروعة والجمال والإتقان ..

المتحف الحربي والذي كان سابقاً مدرسة تخرج منها أجيال ذاع صيتهم في عدن بل والخليج العربي.

مدرسة الإقامة والتي سميت لاحقاً مدرسة السيلة قبل أن تحول إلى متحف حربي بقرار رئاسي بداية السبعينيات، كانت تلك المدرسة قبلة للمتعلمين والمتنورين منذ اليوم الأول لإفتتاحها عام 1918 للميلاد، استوعبت هذه المدرسة في كنفاتها طلاباً من أبناء كريتر والمعلا والتواهي والشيخ عثمان للدراسة فيها بالنظام المدمج ( متوسط ثانوي ) وكانت الدراسة بنظام فترتين يفصل بينهم إستراحة لتناول الغداء تقدم مجاناً للطلاب القادمين من خارج كريتر والتي كانت توفر لهم وسائل مواصلات مجانية أيضاً، ومع مرور الوقت اكتسبت مدرسة الإقامة شهره واسعة لقوة التعليم وتنوع الأنشطة اللاصفية بل وكفاءة المدرسين فيها، والخبرة والنباهة التي تتوفر عند من تخرجوا منها.
استمرت مدرسة الإرسال تؤدي دورها لأكثر من خمسين عام، حتى جاء قرار رئاسي عام 1971 من القرن الماضي بتحويلها إلى متحف حربي، وقسم حينها المبنى إلى سبع صالات، وتم جلب الأسلحة والمقتنيات العسكرية القديمة وأسلحة وصور ثوار و قادة ورموز ثورة 14 أكتوبر وعرضها فيه، أما ساحته الخلفية فقد كانت معرضا لبعض من السيارات إحدى تلك السيارات تعود لقحطان الشعبي أول رئيس في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والتي نقلت بعد حرب 1994 إلى صنعاء.

زار المتحف الحربي العديد من القادة والزعماء العرب والغربين كمعمر القذافي وحسني مبارك وياسر عرفات وزايد بن سلطان ومنجستو هلامريم رئيس اثيوبيا ٱنذك وزعماء ومسؤولين وقادة كبار من الدول الأوربية والإسويه والافريقية الذين ابهرتهم القطع الأثرية المعروضة في المتحف، وحسن تنظيمه ،وأصبح المتحف له رمزية لأبناء مدينة عدن خاصة وأبناء الجنوب العربي عامه، وصار قبلة لالآف الزوار و الباحثين في التاريخ العسكري للجنوب العربي. ومن أوربا وأسياء وأفريقيا وأمريكا وغيرها.


بعد الوحدة اليمنية تم ضم المتحف الحربي في عدن الى دائرة التوجيه المعنوي بوزارة الدفاع، في صنعاء ،
وهنا بدأ مسلسل الإهمال وانعدام التجديد والتطوير وبعد حرب صيف عام 1994م  تم نهب وتخريب الكثير من مقتنياته ومكتنزات المتحف الثمينة والنادرة التي لا تقدر بثمن، وبعضها الآخر تم نقله إلى صنعاء، وتحول الى متحف ثانوي مغلقة أبوابه وصالاته بوجوه الزوار والباحثين والمهتمين عدى بضع ايام أثناء المناسبات الوطنية

واضيفت له بعض القطع من متاحف صنعاء بهدف إضفاء طابع اليمننة، وإفقاده خصوصيته الحضارية والثقافية والعسكرية الجنوبية من خلال جلب بعض الأدوات ، والأسلحة اليمنية والتركية التقليدية كإمتداد صارخ لنهج طمس ومحو الهوية العسكرية والتاريخية والثقافية الجنوبية ، واخفاء الكثير من القطع ذات الصلة بالمعارك التي خاضها شعب الجنوب مع الجيش العثماني التركي الأول الاحتلال التركي الزيدي الثاني وهي ذات امتداد ثلاثة قرون من الزمن تقريبا من عام ١٦٥٠ حتى عام ١٩٢٨ م

وقد خضع المتحف بعدها للترميم مرتان، الأولى عام 1998 والثانية عام 2007 للميلاد، وتم استحداث مبنى منفصل خلف المتحف يتكون من طابقين يضم 21 محل تجاري يتبع أحد النافذين،

أما مبنى المتحف فقد تمت بعض التعديلات عليه وقسم إلى أربعة أجنحة كل جناح ضم عدة قاعات.


أحتوت تلك القاعات على خمسة الآلاف قطعة أثرية وثقافية ضاربة في أعماق التاريخ بعضها يعود للعصور الحجرية وعصور ماقبل التاريخ وبعضها الآخر للحضارات الإسلامية ولحقبة الإستعمارالبريطاني والحكم الأمامي وثورتي 14 أكتوبر و26 سبتمبر المجيدتين.

حرب عام الفان وخمسة عشر على العاصمة عدن لم تشمل الحاضر والمستقبل فقط، بل امتدت آثارها إلى عمق التاريخ، فقد انهالت على المتحف الحربي القذائف والصواريخ، وتضرر الركن الشمالي الشرقي منه نتيجه قصف طيران التحالف للمليشيات الحوثية التي كانت تتحصن فيه، وتهدمت بعض جدرانه، وحطمت بوابته الكبيرة تماماً، وأصبح معرضا للسرقة، الأمر الذي حدث بالفعل حيث نهبت مقتنيات المتحف بما تحتويه من توثيق للتاريخ العسكري في اليمن الجنوبي بكل أدواته ومقتنياته الأثرية.

فيما احتفظ بعض من مثقفي والشباب من بناء كريتر ببعض القطع الأثرية النادرة والثمينة بعض منهم قالوا أنهم يحتفظوا بها الى أن يتحرر الجنوب ثم سيتم تسليمها لقيادته والبعض ابدا استعدادا كامل لتسليمها للجهات المسؤولة
فقط طلبهم هو تكريمهم بشهادات تقديرية

نهاية قصتنا نختتمها بحزن عميق على ما وصل إليه حال المتحف الحربي ، والذي احتضن التاريخ العسكري والثقافي والسياسي والاجتماعي والبطولي للأجداد، فبالرغم من مضي تسع سنوات على الأضرار التي خلفتها الحرب بالمتحف إلا أنه لآ زال ينتظر من يعيد له أمجاد مئة عام وأكثر على إفتتاحه، وإسترجاع كنوزه ممن سولت لهم أنفسهم بالسطو عليها، والاستفادة من العائدات المالية الضخمة والمقدرة بالآلآف الدولارات شهريا والتي تجنى حالياً من إيجار محلاته التجارية والتي لا يعلم أحد إلى أين تذهب ولحساب من، والتي إن استغلت ستساهم بترميم المتحف وإعادت افتتاحه من جديد أمام الزائرين وإعادة البسمه للمتحف والذي لا يزال مغلق حتى كتابة هذه السطور.

متعلقات