الخميس-01 يناير - 01:10 ص-مدينة عدن

الاستقرار تحت النار: من الوصاية الدولية إلى قصف ميناء المكلا

الأربعاء - 31 ديسمبر 2025 - الساعة 11:09 م بتوقيت العاصمة عدن

تقرير "عدن سيتي" صبري عبيد




منذ إدخال اليمن تحت أحكام الفصل السابع عبر مسارٍ بدأ بقرار مجلس الأمن رقم 2140 (2014) وتكرّس بقرار 2216 (أبريل 2015)، لم يعد القرار اليمني سياديًا، بل جرى انتزاعه ووضعه تحت إدارة خارجية. ومع تولّي المملكة العربية السعودية قيادة التحالف وامتلاكها النفوذ الحاسم على مفاصل السياسة والاقتصاد، تحوّل الملف اليمني إلى إدارة من الخارج، انعكست نتائجها مباشرة على الواقع الاقتصادي والإنساني المتدهور.
لم يكن هذا المسار عفويًا. فقد أُغدقت الأموال على ما عُرفت بـ«حكومة الفنادق» ذات الغلبة الإخوانية دون أي رقابة أو مساءلة، فاستشرى فساد منظّم وتآكلت المؤسسات، ووُظِّفت الموارد لخدمة مصالح حزبية ضيقة لا للمصلحة الوطنية. لم يكن ذلك خطأً إداريًا عابرًا، بل سياسة متعمّدة أضعفت الحكومة وأفشلتها، ومهّدت لمصادرة القرار السيادي ودفع البلاد أعمق تحت الوصاية الدولية.
وبينما كان الشعب يُجوَّع، كانت الثروة تُدار خارج البلاد. فخلال الفترة 2016–2022 استؤنف تصدير النفط من مناطق خاضعة لنفوذ التحالف بإنتاجٍ تراوح بين 50 و70 ألف برميل يوميًا وبعوائد سنوية تقديرية بلغت مليارًا إلى 1.8 مليار دولار. ورغم ذلك، لم تُورَّد العائدات إلى حساب سيادي يمني مستقل، بل حُوِّلت إلى حساب في البنك الأهلي السعودي ووُضعت تحت تصرّف لجنة سعودية، دون رقابة وطنية ودون أي أثر على الرواتب أو الخدمات أو استقرار العملة.
قانونيًا، لا تتوقف مسؤولية الدولة المتدخلة عند التصريحات. فالفصل السابع يفرض واجبات واضحة: استقرار العملة، صرف الرواتب، توفير الخدمات، ودعم الأمن. غير أن الواقع كشف العكس: تعطيل ممنهج للرواتب، انهيار للعملة، شلل للخدمات—إدارة أزمة لا حلّ لها.
وفي عام 2023 جاء القرار الأممي رقم 2707 ليُجدّد القرار 2140 ويؤكد استمرار إخضاع اليمن لأحكام الفصل السابع، بما في ذلك تجميد الأصول. تجديدٌ سياسي يكرّس الوصاية ويحوّل التدابير المؤقتة إلى إطار دائم لمصادرة السيادة وتقييد أي مسار وطني مستقل.
وفي هذا السياق، تُضخّ ملايين الدولارات لتأسيس وتمويل تشكيلات عسكرية موازية خارج مؤسسات الدولة، ما يعمّق التفكك ويُبقي الفوضى حيّة. وعندما تحرّك المجلس الانتقالي الجنوبي لبسط السيطرة الأمنية في وادي حضرموت وتفكيك شبكات النهب والتهريب والجماعات المتطرفة، جاء تحرّكه شرعيًا ومسنودًا بإجماع أربعة أعضاء في مجلس القيادة الرئاسي: عيدروس الزُبيدي، طارق صالح، فرج البحسني، وأبو زرعة المحرمي. إجماع يؤكد أن الخطوة كانت لاستعادة الأمن ووقف العبث، لا للخروج عن الشرعية.
لكن هذا المسار لم يُكافأ، بل عوقِب. فبعد بسط قوات الانتقالي سيطرتها على الوادي، جاءت الضربة السعودية على ميناء المكلا كحدثٍ لاحق في التسلسل—ردّ فعل مباشر على مسارٍ أمني كشف ممولي الفوضى وهدّد منظومتها. ضربة نُفّذت دون تفويض دستوري يمني أو غطاء قانوني، وتشكل عدوانًا عسكريًا مكتمل الأركان وانتهاكًا لسيادة الإقليم الجنوبي وميثاق الأمم المتحدة.
ووفقًا لاتفاق نقل السلطة إلى مجلس القيادة الرئاسي، لا يملك رئيس المجلس رشاد العليمي صلاحية اتخاذ قرارات سيادية منفردة، سواء في الشأن العسكري أو الأمني أو في طلب تدخل خارجي. وعليه، فإن أي طلب لتدخّل عسكري سعودي يُعد تجاوزًا صريحًا للاتفاق ومخالفة قانونية جسيمة وباطلًا من حيث الأثر. كما أن قصف ميناء المكلا جرى دون أي غطاء قانوني أو شرعي أو تفويض دستوري، ولا يمكن تبريره تحت أي ذريعة سياسية أو أمنية.
الأدهى أن تُرفع الاتهامات ضد من يحاول فرض النظام، بينما تُحمى شبكات العبث. هذا التناقض الفاضح—تمويل الفوضى ومحاربة الاستقرار—ينسف أي ادّعاء بحسن النية، ويؤكد أن ما يُدار هو ضبطٌ للفوضى لا إنهاؤها.
الخلاصة واضحة: الرواتب ليست منّة، والخدمات ليست ورقة ضغط، والاقتصاد لا يُدار بالتجويع. من يتدخل ويتحكم بالقرار والثروة، ثم يعاقب الاستقرار ويقصف الموانئ، يتحمّل المسؤولية كاملة سياسيًا وأخلاقيًا وقانونيًا. وأي محاولة لتغطية هذه الوقائع بخطابٍ مموَّه لن تغيّر الحقيقة.

متعلقات