الأربعاء-31 ديسمبر - 08:33 م-مدينة عدن

شرق اليمن بين السيادة والوكالة: حين يُكسَر منطق فرض الوقائع

الأربعاء - 31 ديسمبر 2025 - الساعة 06:19 ص بتوقيت العاصمة عدن

تقرير "عدن سيتي" د. محمد قباطي



لم يعد ما يجري في شرق اليمن مجرد فصل إضافي في صراع داخلي متشظٍ، ولا مجرد تباين تكتيكي داخل معسكر إقليمي واحد. فالتطورات المتلاحقة—من تفريغ شحنات سلاح في ميناء المكلا، إلى الضربات الجوية السعودية، مرورًا ببيان سعودي غير مسبوق في صراحته، وتزامن ذلك مع قرارات سيادية يمنية—تكشف أننا أمام *لحظة انكشاف حقيقي تتجاوز اليمن لتطال بنية التفاهمات الإقليمية ذاتها.*

*ميناء المكلا: الواقعة التي كسرت منطق المواربة*
إن تفريغ شحنتين من السلاح والمعدات العسكرية، قادمتين من ميناء الفجيرة الإماراتي، في ميناء المكلا، لم يكن حادثًا عابرًا، بل فعلًا تصعيديًا إماراتيًا موثقًا، استدعى ردًا جويًا سعوديًا مباشرًا استهدف تلك الشحنات. وقد أكدت بيانات رسمية أن الضربات جاءت استجابةً لطلب من القيادة السياسية اليمنية، وباعتبار الواقعة تهديدًا مباشرًا للأمن القومي.

وبذلك *انتقلت القضية من خلاف حول نفوذ محلي أو ترتيبات جنوبية، إلى مسألة حدود وأمن وسيادة، في تحول نوعي لطريقة التعاطي السعودي مع المشهد اليمني في شرقه.*

*قرارات العليمي: من التزامن إلى تحديد المهلة*
بموازاة ذلك، أعلن رئيس مجلس القيادة الرئاسي، الدكتور رشاد العليمي، إنهاء اتفاقية الدفاع المشترك مع الإمارات، وفرض حالة الطوارئ لمدة 90 يومًا، إلى جانب حظر جوي وإغلاق بحري وبري مؤقت، مع استثناءات يقرّها التحالف. والأهم أنه وجّه طلبًا صريحًا بسحب كامل القوات الإماراتية من اليمن خلال 24 ساعة، في خطوة تنقل الخطاب من المناشدة السياسية إلى تحديد سقف زمني ملزم.

*هذا التواكب بين القرار السيادي اليمني والفعل العسكري السعودي يعكس إعادة ضبط حازمة لمسار الأزمة، ونقلها من منطق “قوى الأمر الواقع” إلى منطق الدولة والشرعية وإجراءات الردع المنضبطة.*

*إعلان الانسحاب الإماراتي: قرار ذاتي أم استجابة مضغوطة؟*
في هذا السياق، جاء الإعلان الإماراتي عن سحب قواتها المتبقية من اليمن، بلهجة توحي بأن الخطوة قرار طوعي وسيادي. غير أن توقيت الإعلان، وسياقه، وتزامنه مع مهلة الـ24 ساعة والضربات الجوية والبيانات السعودية، تجعل من الصعب فصله عن *ضغط سياسي–أمني مركّب فرض إعادة الحسابات،* حتى وإن جرى تقديمه إعلاميًا بصيغة المبادرة الذاتية.

*تباين سعودي–إماراتي أم تصدّع أعمق؟*
لا يمكن اختزال ما نشهده في “سوء تنسيق” عابر بين الرياض وأبوظبي. الأدق أنه يعكس تباينًا متراكمًا في الرؤية لإدارة ملفات النزاع الإقليمي، ظهر في مسارح أخرى مثل السودان وليبيا والصومال.
فبينما تتجه السعودية إلى أولوية الاستقرار الصارم، وضبط الحدود، ورفض المغامرات بالوكالة، اعتمدت المقاربة الإماراتية على توظيف قوى محلية وفرض وقائع ميدانية كأوراق ضغط سياسية. غير أن لحظة المكلا أظهرت أن هذا المنطق بلغ حدوده القصوى عندما اصطدم مباشرة بالأمن القومي السعودي.

*الخلاصة: كسر المسار قبل الانزلاق*
بلغ شرق اليمن نقطة تحوّل حاسمة. لم تعد لغة “الإشارات” كافية، ولم يعد فرض الوقائع بالقوة خيارًا قابلًا للاستمرار. فحين يصل التصعيد إلى الموانئ، وتُستدعى لغة الأمن القومي، وتُحدَّد مهَل زمنية صريحة، فإن هامش المناورة الأحادية يكون قد أُغلق عمليًا.

وما سيحسم الاتجاه النهائي ليس البيانات وحدها، بل الانضباط السياسي: *احترام الشرعية، وضبط السلاح، والاعتراف بأن استقرار الإقليم—وفي قلبه أمن المملكة العربية السعودية—لم يعد يحتمل التجريب أو الحسابات المؤجلة.*
___________________


بقلم: السفير د. محمد قباطي

متعلقات