السبت-27 ديسمبر - 11:41 م-مدينة عدن

من نفط ثمود إلى بحر العرب: القصة الكاملة لأطماع سعودية مؤجلة في حضرموت والمهرة

السبت - 27 ديسمبر 2025 - الساعة 09:50 م بتوقيت العاصمة عدن

تقرير "عدن سيتي" صبري عبيد



منذ عام 1961م، ومع تأكيد وجود كميات كبيرة من النفط في صحراء ثمود، بدأت تتبلور أطماع سعودية واضحة لضم المديرية، في سباق مبكر للسيطرة على واحدة من أهم مناطق الثروة غير المستغلة في جنوب الجزيرة العربية. وعلى إثر تلك التطورات، توقفت شركة “بان أمريكان” عن أعمالها، غير أن الرياض لم تتوقف عن محاولاتها، بل انتقلت إلى أساليب أكثر هدوءًا وأطول نفسًا.
ووفقًا لمصادر تاريخية، أوعزت السعودية للتاجر الحضرمي الحامل للجنسية السعودية أحمد سعيد بقشان بشراء مساحات واسعة من أراضي ثمود، في خطوة هدفت إلى تغيير الواقع الجغرافي والسياسي للمنطقة وفصلها عن حضرموت تمهيدًا لضمّها، إلا أن هذه المحاولات اصطدمت بإرادة وطنية صلبة، وأُفشلت عام 1967م على يد الجبهة القومية. وخلال العقود التالية، تشير الوقائع إلى أن السعودية استخدمت أدوات متعددة لعرقلة أي محاولات لاستخراج النفط من ثمود، كما أوقفت عمليًا أعمال التنقيب في الشريط الحدودي بين شرورة وحضرموت لسنوات طويلة، في سياسة وُصفت بأنها تعطيل ممنهج للثروة.
وتعززت خطورة هذا الملف مع صدور دراسة جيولوجية قبل نحو عشرين عامًا بعنوان “الكنز المخفي في اليمن”، أعدّتها شركات مسح عالمية متخصصة في الاستكشافات النفطية، كشفت عن وجود بحيرة نفطية تُعد الأكبر في الجزيرة العربية، تمتد بين محافظات مأرب والجوف وحضرموت وشبوة وأبين، وتضم ثالث أكبر حقل نفطي في العالم. وتشير الدراسة إلى أن استثمار هذه المنطقة وحدها قد يمكّن اليمن من تصدير ما يقارب 5.2 مليون برميل نفط يوميًا، وهو رقم كفيل بإعادة رسم الخريطة الاقتصادية والسياسية للمنطقة بأكملها.
وفي سبتمبر 1967م، ومع اقتراب جلاء الاستعمار البريطاني عن الجنوب، حاولت السعودية الانتقال من مسار الاقتصاد إلى مسار السياسة، عبر دعم سلاطين حضرموت والمهرة ماليًا وسياسيًا. حيث عاد السلاطين من مؤتمر لندن الدستوري ولقاء جنيف بشأن الاستقلال على متن باخرة سعودية محمّلة بالمساعدات، في محاولة أخيرة للإبقاء على نظام حكم موالٍ. غير أن التطورات الميدانية قلبت المعادلة؛ ففي 17 سبتمبر 1967م، سيطرت الجبهة القومية بمساندة جيش البادية الحضرمي على مدينة المكلا وضواحيها، وعند وصول الباخرة السعودية إلى الميناء مُنع السلاطين من النزول، وطُلب منهم التوقيع على وثيقة التنازل عن الحكم. وأمام خيارين لا ثالث لهما، التوقيع والعودة أو الموت على متن الباخرة، اختار السلاطين التوقيع، وعادوا إلى جدة كلاجئين سياسيين لا حكّامًا.
وبذلك تسلّمت الجبهة القومية مقاليد السلطة في حضرموت والمهرة، لتفشل تلك المحاولة وتدخل العلاقات مرحلة جديدة عقب استقلال الجنوب في 30 نوفمبر 1967م. ويكشف هذا المسار التاريخي أن ما تشهده حضرموت والمهرة اليوم ليس طارئًا ولا منفصلًا عن الماضي، بل امتداد لمحاولات قديمة ومتكررة تهدف إلى سلخ المحافظتين عن دولة الجنوب، بدوافع استراتيجية واقتصادية واضحة، في مقدمتها السعي السعودي لإيجاد منفذ مباشر على ساحل بحر العرب كبديل عن المرور عبر مضيق هرمز. وعليه، فإن التحركات الراهنة في حضرموت والمهرة وأجزاء من شبوة تُقرأ، في هذا السياق، كإعادة إحياء لمطامع قديمة تتبدل فيها الأدوات والذرائع، بينما يبقى الهدف ثابتًا.

متعلقات