الإثنين-22 ديسمبر - 10:40 ص-مدينة عدن

وزارة بلا توقيع، وبيان بلا ملامح

الإثنين - 22 ديسمبر 2025 - الساعة 08:47 ص بتوقيت العاصمة عدن

عدن " عدن سيتي " علي محمد سيقلي






في بلدٍ تتكاثر فيه البيانات أكثر من تكاثر الحقائق، أصدرت وزارة الإعلام اليمنية بيانًا غامضًا، بلا توقيع، بلا اسم، وبلا أي ملامح تدل على أن وراءه جهة حقيقية تتحمّل مسؤوليته.
بيان يتيم، لا أب له ولا أم، كأنه خرج من العدم وعاد إليه، بيان يشبه حال “الشرعية” التي يُفترض أنه يتحدث باسمها.
الغريب ليس في غموض البيان، فالغموض بات سياسة معتمدة، بل في أن بيانًا بلا توقيع يُعامل وكأنه نص مقدّس، ويجري الاحتفاء به على منصات بعض “النجوم” الإعلاميين، وفي مقدمتهم المهرج جميل عزالدين، الذي قرر أن يمنح البيان هوية لم يمتلكها، وشرعية لم تُمنح له أصلًا.
جميل عزالدين، الإعلامي المشرد خارج الجغرافيا، يتحدث بحماس عن “شرعية” لا وجود لها على أرض الواقع، شرعية لا تحكم، لا تحضر، لا تدير، ولا تُحاسب، لكنها بارعة في إصدار البيانات من خارج التغطية، ومن خلف الشاشات، ومن دون توقيع. شرعية افتراضية، تعيش في الفضاء الإلكتروني أكثر مما تعيش بين الناس.
المفارقة أن عزالدين يجيد الخطابة، ويُتقن رفع النبرة، ويبرع في توزيع الاتهامات، لكنه لم يصل بعد إلى تفسير بسيط ومباشر: ما هي هذه الشرعية؟ وأين تبدأ؟ وأين تنتهي؟ وهل هي سلطة أم ذكرى؟ كيان سياسي أم حالة نفسية؟ أم مجرد لافتة مرفوعة في منفى طويل؟
الشرعية، كما تُقدَّم لنا اليوم، لا تحتاج إلى أرض، ولا إلى مؤسسات، ولا حتى إلى توقيع على بيان.
يكفي أن تُذكر الكلمة، ويتكفل المهرجون الإعلاميون بالباقي: تضخيم، تهويل، وتحويل الفراغ إلى “موقف وطني”.
أما وزارة الإعلام، فتبدو وكأنها تخلّت حتى عن الحد الأدنى من المهنية. بيان بلا توقيع ليس بيانًا، بل إشاعة رسمية. رسالة بلا مرسل، ونص بلا مسؤول. وفي كل دول العالم، حين لا يوقّع المسؤول على بيانه، فهو إما خائف، أو غير موجود، أو لا يريد أن يُسأل عمّا كتب. وفي حالتنا، قد تكون الخيارات الثلاثة صحيحة معًا.
الأخطر من البيان نفسه، هو هذا الاحتفاء الأعمى به، وكأن المطلوب من المواطن أن يصفّق لا أن يسأل، وأن يهلّل لا أن يفهم. وهنا يظهر دور “الإعلامي المؤدلج”، الذي لا يرى في الإعلام أداة مساءلة، بل وظيفة تبرير، ولا يجد حرجًا في الدفاع عن كيان لا يستطيع تعريفه.
نحن لا نحتاج بيانات مبهمة، ولا خطابات حماسية من الخارج، ولا مهرجين يشرحون لنا واقعًا لا يعيشونه. ما نحتاجه هو وضوح: من يحكم؟ من يوقّع؟ من يتحمّل المسؤولية؟ وأين تقف هذه الشرعية التي يتحدثون باسمها وكأنها إرث خاص؟
إلى أن يحدث ذلك، ستظل البيانات بلا توقيع، والشرعية بلا أرض، والخطابات بلا معنى، وسيظل المهرج يصفّق لفراغٍ يعتقد أنه وطن.

متعلقات