الأربعاء-05 نوفمبر - 02:15 ص-مدينة عدن

فساد إدري يهدد العدالة.. !!

الثلاثاء - 04 نوفمبر 2025 - الساعة 11:57 م بتوقيت العاصمة عدن

تقرير "عدن سيتي" إبراهيم ناجي





تتجلى في قضية المنطقة الحرة بعدن صورة قاتمة للفساد الإداري واستغلال النفوذ، حيث تحولت هذه المنطقة، التي أنشئت لتكون واجهة اقتصادية لليمن، إلى نموذج للعبث بالقوانين وتشويه بيئة الاستثمار، وتدور فصول القضية حول المستثمر اليمني مصطفى عون، الذي وجد نفسه في مواجهة منظومة نفوذ يقودها رئيس الهيئة العامة للمنطقة الحرة حسن الحيد، والمتورط في التستر على مخالفات جسيمة لصالح المستثمر السعودي محمد نصر المشولي، في واحدة من أكثر القضايا حساسية على صعيد الاستثمار والعدالة.

بدأت القصة في المملكة العربية السعودية، حينما أقرّ المشولي بحق شريكه اليمني عون بنسبة 40% من الشركة بموجب عقد موثق وبحضور الشهود، لكنه تحايل بعد ذلك متذرعاً بجنسيته السعودية لتفادي تسجيل العقد رسمياً.. تلك الخطوة التي بدت في ظاهرها إجراءً شكلياً، كانت في حقيقتها بداية سلسلة من المناورات هدفها حرمان الشريك اليمني من حقوقه القانونية، رغم الثقة التي جمعتهما على مدى ثلاثة عقود.

وحين حاول مصطفى عون تصحيح الوضع داخل اليمن، عقد اجتماعاً للجمعية العمومية في المنطقة الحرة بعدن بتاريخ 8 فبراير 2021، بحضور رسمي من الهيئة ومكتب الصناعة والتجارة، وتم اعتماد محضر رسمي يثبت حقوقه بنسبة الـ40%، غير أن الأمور أخذت منحى آخر حين تدخل الحيد، مستخدماً سلطته لإخفاء العقد من ملفات الهيئة، في تواطؤ فاضح مع المشولي الذي استغل نفوذه وعلاقاته داخل الهيئة لتضليل العدالة وإجهاض حق الشريك اليمني.

ورغم وضوح المستندات الرسمية، إلا أن المحكمة الابتدائية التجارية بعدن أصدرت حكماً أولياً لصالح المشولي، متجاهلة الوثائق والعقود الموثقة، هذه الخطوة أثارت صدمة في الأوساط القانونية والاقتصادية، واعتُبرت مؤشراً خطيراً على مدى هشاشة المنظومة القضائية أمام ضغوط الفساد والمحسوبية، خاصة بعد أن تبيّن أن قرار الحيد بإخفاء العقد لم يكن تصرفاً فردياً، بل جزءاً من شبكة تلاعب تتداخل فيها المصالح مع النفوذ الإداري.

في المقابل، أثبت القضاء السعودي نزاهته حين حكم لصالح المستثمر مصطفى عون، مؤكداً صحة الشراكة وحقه القانوني في رأس المال والعقارات، ذلك الحكم كان بمثابة صفعة للمحسوبية ودرس في احترام العقود والمواثيق، ليصبح دليلاً دامغاً على أن العدالة ممكنة متى ما توفرت الإرادة القضائية المستقلة.

الوثائق التي يحتفظ بها عون، وتشمل عقد التنازل ومحضر الجمعية العمومية وشهادات الشهود، كشفت بوضوح محاولات التزوير والإخفاء، وأثبتت تورط الحيد والمشولي في جريمة فساد مكتملة الأركان.. إخفاء العقود الرسمية من قبل مسؤول حكومي لا يشكل فقط انتهاكاً للقانون، بل جريمة تضرب في صميم الثقة بالمنظومة الاستثمارية وتسيء لسمعة عدن كمنطقة اقتصادية حرة يُفترض أن تجذب رؤوس الأموال لا أن تنفّرها.

هذه القضية لم تعد مسألة نزاع تجاري فحسب، بل اختبار حقيقي لهيبة القضاء اليمني وقدرته على إحقاق الحق ومحاسبة المتورطين مهما كانت مناصبهم.. فالقانون يجب أن يكون مظلة للجميع دون استثناء، وأي تهاون في محاسبة من يعبث بالوثائق الرسمية سيكرّس بيئة طاردة للاستثمار ويعمّق فجوة الثقة بين المستثمرين والسلطات.

المستثمر مصطفى عون لا يزال يعوّل على القضاء اليمني لإنصافه، مستنداً إلى الأدلة القطعية التي يملكها، ومؤمناً بأن العدالة لا بد أن تأخذ مجراها عاجلاً أم آجلاً.. إن إعادة الاعتبار لهذا المستثمر اليمني المظلوم ليست فقط قضية إنصاف شخصي، بل هي قضية كرامة مؤسسات ومصداقية وطنية أمام الداخل والخارج.

إن ما يجري في المنطقة الحرة بعدن يشكل ناقوس خطر يستدعي تدخلاً عاجلاً من مجلس القيادة الرئاسي والحكومة الشرعية، والجهاز المركزي للرقابية والمحاسبة للتحقيق في وقائع التلاعب ومحاسبة كل من تورط في إخفاء العقود أو تسهيل الاستيلاء على حقوق الغير.. فالإصلاح الإداري والقضائي لم يعد خياراً، بل ضرورة وطنية لحماية ما تبقى من ثقة المستثمرين في بيئة تتآكلها المحسوبية والفساد.

وتمثل قضية المستثمر مصطفى عون امتحاناً حقيقياً للدولة، بين أن تنتصر للعدالة وسيادة القانون، أو تترك الفساد يعيد رسم مستقبل الاستثمار في البلاد.. فإما أن تكون المنطقة الحرة بعدن بوابة للنهضة الاقتصادية، أو تتحول إلى عنوان للظلم والعبث.. والكرة اليوم في ملعب القضاء ليكتب كلمة الفصل ويعيد الحق إلى نصابه.

متعلقات