نزيف الجنوب من ذوي العقول المتميزة والنوابغ و الخبرة والشباب المؤثر
الأحد - 02 نوفمبر 2025 - الساعة 12:05 ص بتوقيت العاصمة عدن
عدن " عدن سيتي " Mazen Fadel
نزيف الجنوب من ذوي العقول المتميزة والنوابغ و والشباب المؤثر
الصورة لها علاقة بالموضوع من بعيد، وما شدني إلى كتابة هذا الموضوع هو أنني تعرفت على شاب (كفيف) يحمل شهادة بكلاريوس في القانون ويتحدث اللغة الإنجليزية بطلاقة، وعندما تناقشنا عن بعض المواضيع في القانون اليمني - ما شاء الله - وكأنني أتحدث مع تشات جي بي تي، موسوعة في القانون والإدارة، وعندما سألته عن أقصى طموحه ؟ فاجئني بأنه يطمح بالهجرة من البلاد.
فهل يعي حكامنا وقادتنا اليوم بأن الموهوبين والنوابغ في بلادنا يعتبروا كنوز ضائعة تحتاج للبحث والتنقيب؟
وهل يعلمون أن رعاية الموهوبين والمتميزين واجب ديني ووطني وأخلاقي عليهم؟ فإن كانوا حقاً يسعون إلى بناء دولة تتسع للاختلاف، وتقدّر التميز، وتؤمن بأن الذكاء الفطري رحمة ونعمة من الله لنا، ويجب أن نحميها ونستثمرها في بناء الوطن، لا أن نهمشها أونحاربها ونجبرها على الهروب من واقعنا المريض.
فما منحه اللهُ لعباده من ذكاء فطري وفراسة، هو عطاء رباني يهبه الله لمن يشاء من عباده، يختصُّ به من يشاء في كل زمان ومكان، فهو رزق كسائر الأرزاق، يبسطه الله تعالى على عباده بحكمته البالغة، وكما تتفاوت الوجوه في الحسن والجمال، وتتباين النفوس في الكرم والشجاعة، تتفاوت العقول في الفطنة والذكاء وسرعة البديهة فهذه مواهب إلهية، وهبات ربانية، لا تُكتسب بالتعلم ولا تنال بالممارسة بل هي نفحات من رحمة الله، يمن بها على من يشاء من عباده، ولقد أدرك العقلاء في الأمم الأخرى قيمة هذه الطفرات النادرة من العقول، فسعوا إليها حيث كانت، وأكثروا عليها من العناية والاهتمام ما يجعلها تثمر علماً ونفعاً لأممهم، فإن كانت العبقرية من أصلهم اعتزوا بها وولُّوها أمورهم الجسام، وإن كانت من أصول أخرى سعوا إلى استقطابها واستثمارها، أو تحييد خطرها إن وقفت في صف مضاد، فهم ينظرون إلى هذه العقول ككنوز ثمينة، ومعادن نفيسة، يبنون عليها مستقبل أممهم ويؤسسون بها مجد حضاراتهم.
أما في بلادنا، فالأسف كل الأسف يملأ القلب، حيث يسود الغل والحسد، وتنتشر "فوبيا" التميز، فتحارب العقول النابغة، وتهمَّش الطاقات الخلاقة، وكأننا نقوم بقطع الأغصان التي تحمل ثمار شجرتنا بأيدينا، فيضطر أولئك النوابغ إلى الهجرة بأفكارهم وطاقاتهم، بحثاً عن من يقدرها ويوفر لها المناخ الخصب لتنمو وتثمر، وهكذا نرى أغلى ثرواتنا، وهي العقول، تهاجر إلى حيث يُحتَرم فيها الفكر، ويُكرَم فيها الذكاء، فأصبحنا نعيش واقع مرير، نستورد من غيرنا ما كان بإمكاننا أن ننتجه لو أحسنا رعاية مواهبنا، وصرنا مرهونين إما لمن سرق عقولنا، أو لمن أحسن استقبالها ورعايتها، إنها خسارة مضاعفة: خسارة العقول التي هاجرت، وخسارة للأمة التي حُرِمت بركة هذه العقول وفضلها.
Mazen Fadel