العنصرية الفئوية والمناطقية في حضرموت.. الأقنعة التي تهدد روح الوطن

السبت - 18 أكتوبر 2025 - الساعة 08:45 م بتوقيت العاصمة عدن

حضرموت "عدن سيتي"عمر الكسادي





تعيش حضرموت اليوم مفارقة مؤلمة بين اتساعها الجغرافي وعمقها التاريخي من جهة، وضيق الأفق الذي يسكن بعض عقول أبنائها من جهة أخرى. فبينما كانت حضرموت عبر قرون مضت نموذجًا للتعايش والانفتاح، بدأت تتسلل إلى جسدها في السنوات الأخيرة أمراض الفئوية والمناطقية، تارةً باسم الوطنية، وتارةً تحت شعارات زائفة من “الهوية” و“التمثيل”.

1. من روح الجماعة إلى منطق العصبة

عرفت حضرموت تاريخيًا بأنها مجتمع متماسك يقوم على التكامل والتنوع. لكن مع انهيار منظومات الدولة وضعف المرجعيات الجامعة، خرجت إلى السطح نزعات ضيقة تبحث عن مكاسب آنية على حساب الكلّ. تحولت بعض الفئات من كونها مكونات اجتماعية محترمة إلى عصبيات تسعى للهيمنة، فصار الانتماء الفئوي والمناطقي معيارًا للثقة والتقريب، بينما أُقصي أصحاب الكفاءة والخبرة لأنهم “ليسوا منّا”.

2. التشكيلات العنصرية المغلّفة بشعارات وطنية

الأخطر من العنصرية الصريحة هو تلك المغلّفة بوشاح وطني كاذب. رأينا تشكيلات عسكرية وسياسية ترفع رايات الوطنية أو الهوية الحضرمية، لكنها في عمقها أدوات فرز وتمييز بين أبناء المحافظة نفسها. تُدار مواقع القرار وفق منطق “من معنا ومن ضدنا”، لا وفق معيار النزاهة أو الولاء لحضرموت كقضية جامعة. وهكذا تُزرع الكراهية باسم الانتماء، وتُمارس الإقصائية تحت شعار الدفاع عن الحقوق.

إن هذه التشكيلات تمثل خطرًا استراتيجيًا على مستقبل حضرموت، لأنها تُحوّل سلاح الدفاع عن الكرامة إلى سلاح يُوجه نحو الإخوة المختلفين في الرأي أو الأصل. فهي تُقسّم الصف وتُضعف الجبهة الحضرمية، وتفتح الأبواب أمام القوى الخارجية للتدخل والعبث بمصير الإقليم.

3. أثرها على الاقتصاد والمجتمع

لم يعد التمييز يقتصر على السياسة والعسكر، بل تمدد إلى ميادين الاقتصاد والمجتمع. المناصب، المشاريع، التعيينات، وحتى فرص التدريب والسفر باتت محكومة أحيانًا بمعايير الولاء الفئوي لا الكفاءة. هذا الانحراف أوجد فجوة من الاحتقان والظلم، وأضعف ثقة المواطن بالمؤسسات المحلية، وأصاب روح المجتمع بالإنهاك والشك.

حين يُكافأ الانتماء بدل الأداء، وتُغلق الأبواب في وجه من لا يملك “الوسيط أو الانتماء المناسب”، تصبح حضرموت ضحية لنفسها، ويخسر الجميع في النهاية.

4. نحو وعي حضرمي جديد

التعافي يبدأ من الاعتراف بالداء. علينا أن نُقرّ بأن حضرموت ليست ملكًا لفئة أو منطقة أو تيار، بل كيان جامع لكل أبنائها بمختلف جذورهم ومشاربهم. لا بد من مشروع وطني حضرمي يقوم على الكفاءة والعدالة، لا على العصبية والوراثة.

إن بناء “ميثاق شرف حضرمي” يُحرّم المحسوبية والعنصرية ويضع معايير شفافة لتولي المسؤوليات، خطوة أساسية لاستعادة الثقة وخلق ثقافة جديدة تحترم التنوع وتجرّم الإقصاء.

5. حضرموت التي نريد

حضرموت التي نحلم بها ليست حضرموت المناطق والفئات، بل حضرموت الإنسان والكفاءة والعدل.
حضرموت التي لا تُسأل فيها عن أصلك أو منطقتك، بل عن عطائك وموقفك من الحق.
حضرموت التي تفتح ذراعيها لكل أبنائها بلا تمييز ولا خوف.

إننا نحتاج إلى ثورة فكرية داخلية قبل أي مشروع سياسي، ثورة تُعيد تعريف الوطنية بأنها التزام بالعدل لا غطاء للمصلحة، وأن القوة الحقيقية ليست في السيطرة على الآخرين، بل في القدرة على توحيدهم.

✦ بقلم: عمر الكسادي
كاتب وباحث في الشؤون الحضرمية والسياسية

(نُشر هذا المقال ضمن سلسلة تحليلات فكرية تتناول مستقبل حضرموت السياسي والاجتماعي.)

#عمر_الكسادي
#حضرموت #المكلا #الحامي #الشحر #شبوة #أبين #عدن #لحج #المهرة

متعلقات