لوكا مودريش، المايسترو او الموسيقار، الكرواتي الذي يتجاوز شيئا اسمه لاعب كرة قدم ليصبح ظاهرة فلسفية
الثلاثاء - 05 أغسطس 2025 - الساعة 11:54 م بتوقيت العاصمة عدن
عدن سيتي : سنير القاسمي : متابعات
لوكا مودريش، المايسترو او الموسيقار، الكرواتي الذي يتجاوز شيئا اسمه لاعب كرة قدم ليصبح ظاهرة فلسفية تمشي على العشب الأخضر، حين ترى جسده النحيل يركض بين عمالقة المستطيل الأخضر، تدرك أن القوة ليست دائمًا في العضلات، بل في الإرادة والفكر، وفي تلك الشرارة الخفية التي تحرك الإنسان نحو المستحيل!
مودريتش يشبه فيلسوفًا يونانيا خرج من كتب الحكمة القديمة ليجرب فكره في عالم الكرة، عالم تحكمه السرعة والقوة والضغط النفسي، فيأتي هو ليعيد تعريف اللعبة بلغة أخرى، لغة الانسياب، التوازن، والهدوء العميق وسط العواصف!
لوكا وكأن كل تمريرة يرسلها هي فكرة وجودية، وكل مراوغة صغيرة هي حوار بين العقل والجسد، وكل لمسة على الكرة هي بحث عن معنى جديد للحياة!
رحلة هذا الرجل من طفولة عاشت رائحة الحرب إلى قمة كرة القدم تشبه درسًا في فلسفة الإرادة، هو ابن الذاكرة الثقيلة، حمل على كتفيه حكاية اللجوء والتهجير والخوف من أصوات المدافع، ثم حمل في قلبه كرة صغيرة وقرر أن يصنع بها عالمه الخاص!
ومن وسط الفقدان صنع المعنى، ومن الهشاشة بنى القوة، ومن الألم خرج نور الإبداع، فلسفة مودريتش في الملعب تقوم على فكرة “الانتصار على الزمن”. اللاعبون من حوله يركضون بلا توقف، يلهثون خلف السرعة، بينما هو يخلق زمنه الخاص!
تتباطأ الدنيا في عينيه، تصمت الجماهير للحظة، ثم تنطلق قدمه بتمريره تقطع خطوط الخصم كالسهم، هنا، لا يعود اللعب مجرد منافسة، بل يتحول إلى تجربة جمالية، إلى فن هادئ يعلمنا أن أعظم الإنجازات لا تصنعها العجلة، بل وضوح الرؤية وهدوء الروح، لو أردنا أن نختصر فلسفة لوكا مودريتش في جملة واحدة لقلنا:
“قد يولد الجسد في الضعف، لكن الروح حين تؤمن بذاتها تصنع مجدها الأبدي.”
في ميلان، لم يأت مودريتش شابا جائعا للشهرة كما كان في بداياته مع توتنهام أو ريال مدريد، بل جاء حكيما يعرف كيف يحول الصمت إلى موسيقى، وكيف يجعل كل تمريرة درسا في الجمال، هو لاعب لا يركض خلف الكرة بتهور، بل يجعلها تأتي إليه طائعة، ثم يرسلها في طريقها وكأنها رسالة حب مكتوبة بخط اليد!
حين تلمس قدماه العشب الأخضر في سان سيرو، يتوقف الزمن قليلا، الجماهير تصرخ، والكاميرات تبحث عن زاوية مناسبة، لكنه في داخله يسبح في بحر آخر، بحر الهدوء الذي يجعل من كل لمسة على الكرة لوحة تشكيلية، ومن كل تمريرة شعاعا من نور!
ميلان بالنسبة لمودريتش ليس مجرد ناد، بل معبد لكرة القدم، ومكان يختبر فيه فلسفته الأخيرة في اللعبة، أن المجد ليس في القوة وحدها، بل في القدرة على جعل المستحيل يبدو عاديا!
هو يدرك أن مواسمه في الملاعب بدأت تعد أيامها الأخيرة، لكن ما يهمه الآن ليس كم عاما تبقى، بل كم لحظة خالدة سيتركها معلقة في ذاكرة ميلانو، لو أردنا أن نختصر قصته مع ميلان في جملة واحدة لقلنا “جاء مودريتش إلى ميلان لا ليبدأ فصلا جديدا من مسيرته فقط، بل ليحول آخر صفحاته إلى نجاح خالد على عشب سان سيرو.”، نراكم في سان سيرو! فورزا ميلان!
سمير القاسمي