الإثنين-04 أغسطس - 04:32 ص-مدينة عدن

لم يكن لازلو بيرو عالمًا في المختبرات، بل صحفيًا يلاحق الحبر كل يوم... لكن الحبر نفسه كان عدوه.

الإثنين - 04 أغسطس 2025 - الساعة 01:37 ص بتوقيت العاصمة عدن

" عدن سيتي " متابعات : عبدالرحمن فضل النقيب




لم يكن لازلو بيرو عالمًا في المختبرات، بل صحفيًا يلاحق الحبر كل يوم... لكن الحبر نفسه كان عدوه.

كان يتضايق من بطء جفافه، من بقعه، ومن اضطراره للانتظار حتى لا تتلطخ الكلمات التي يكتبها. لم يكن الأمر مزعجًا فقط، بل كان يشعر أن شيئًا في أدوات الكتابة قد توقف عن التطور... وأن الوقت قد حان لتغيير ذلك.

ذات يوم، وبينما كان يتابع أطفالًا يلعبون بكُرات زجاجية صغيرة في بركة ماء، لفت نظره أمر غريب: الكرات كانت تترك أثرًا خلفها كلما تحركت. توقف، صمت، فكر... ثم لمعت في ذهنه الفكرة:
"ماذا لو كانت هناك كرة صغيرة، تدور داخل رأس قلم، وتوزع الحبر مثلما توزع هذه الكرة أثرها في الماء؟"

عاد إلى المنزل بحماس، وكأن شرارة قد اشتعلت في قلبه.

لكن الفكرة وحدها لم تكن كافية. استعان بأخيه "غيورغي"، الكيميائي الموهوب، وبدآ سويًا رحلة طويلة بين التجارب والمحاولات. عملا ليلًا ونهارًا على اختراع حبر جديد: أكثر لزوجة، سريع الجفاف. وابتكرا آلية تعتمد على كرة معدنية صغيرة تدور مع حركة اليد وتوزع الحبر بالتساوي.

في عام 1938، سجّلا براءة اختراع، وكان الأمل كبيرًا.

ثم جاءت الحر*ب.

فرّا من المجر هربًا من النا*زية، ووجدا في الأرجنتين وطنًا جديدًا وأملًا متجددًا. عملا من جديد، في مرآب صغير ومتواضع، دون تمويل أو دعم... فقط فكرة، وإصرار لا يمو*ت.

لم يكن أحد يشتري القلم، كان غاليًا ومعقدًا... حتى حدثت المفاجأة.

القوات الجوية البريطانية، التي كانت تواجه مشكلة مع أقلام الحبر في الارتفاعات الشاهقة، اختبرت قلم بيرو... ووجدته مثاليًا. فجأة، تغير كل شيء.

في عام 1943، وُقِّعت صفقة ضخمة في الولايات المتحدة، وبدأت رحلة الانتشار.

ثم جاء الفرنسي "مارسيل بيش"، رجل يعرف كيف يحوّل الفكرة إلى منتج عالمي. اشترى براءة الاختراع عام 1950، وابتكر نسخة جديدة من القلم، أكثر بساطة وأقل تكلفة، أطلق عليها اسم BIC Cristal.

ومن تلك اللحظة، لم يعد القلم مجرد أداة... بل رمز عالمي.

اليوم، تجاوز عدد الأقلام المباعة 100 مليار. كلها بدأت من لحظة دهشة، من عين رأت ما لا يراه الآخرون.

في أحيان كثيرة، لا تحتاج إلى مختبر أو ثروة أو عبقرية خارقة... يكفي أن ترى العالم بعيون مختلفة.

متعلقات