بين الرئيس ومكتب الساحل.. من يقود ومن يُزايد؟

السبت - 28 يونيو 2025 - الساعة 08:36 م بتوقيت العاصمة عدن

تقرير "عدن سيتي" د.محمد شداد





تَصورَ البعض أنه قد تم استيعاب دروس الحرب والانقلاب الغادر، وأن الرسالة الواضحة قد وصلت، وانجلى اعوجاج ماضٍ أثقلته خيبات المتقلبين. وصُهرت الأرواح اليمنية جميعها في بوتقة وطنية صُنعت من الشضايا، وسُطّرت حروف شعاراتها بالدم.

سرعان ما فُضِحَ الوهم؛ إذ لا يزال كثير من الناس في غيّهم سادرين، وعلى دروب النكبات بالوطن ماضين، ولا يزال شيطان السلطة عندهم مُقيل وسامر. لم يتوقف استهداف الرئيس رشاد العليمي، بل ازداد ضراوة، لا من الخصوم التقليديين، بل من أقرب المقرّبين سياسيًا، صداقةً ومواقف. لقد وُضِع الرجل على رأس سفينة مثقلةٍ بركّاب، طموح أقلهم كرسيّ وزارة، وأكثرهم طيشًا لا يرضى إلا بأن يكون زعيمًا مطلق، يأمر وينهى دون حسيبٍ ورقيب.

ولولاه، لكان كيان الشرعية في خبر كان. بعد أن دخل الرئيس عبد ربه منصور في غيبوبة سياسية، لا يعرف غالبية الشعب مداها وتفاصيلها، ومن كرائم القدر أن الأمر أُوكِل زمامه إلى الدكتور رشاد العليمي، ليحافظ على ما تبقى من مؤسسات الدولة: جيش وأمن خدمات بالمقدور عليه، إلى مفاهيم دولة الوحدة والقانون، ونفَس الثورة والجمهورية.

لأنه من القلائل الذين ما زالوا يمتلكون أدوات الخبرة السياسية، الحزبية والاجتماعية، حنكةً واسعة اكتسبها بالممارسة والدراسة، وعمّدتها معارك الحياة التي أنضجت شخصه وقدراته.. ما يمتلكه من صبر وتجربة خلقا جدارة تحمّل تعقيدات التشكيلة الرئاسية المتنوعة فكرًا، عقائد وولاءً؛ إذ يرى المتابع في اجتماعاتهم وجوهًا متقلّبة، وأنظارًا شائهة، وسلوكيات لا تمتّ إلى من يحملون همّ الأمة وأعلامها بصلة.

وما يزيد الأمر غرابةً، تحمله لمزاحمتهم له عند السفر لتمثيل اليمن في المؤتمرات الدولية أو الزيارات الرسمية؛ إذ يريد كل واحدٍ منهم أن يُستقبل كرئيس، وهو لا يزال بمعية الرئيس! وفي القاعات، يسعى بعضهم إلى أن تكون مقاعدهم في الواجهة، ملاصقة لمقعده، وكأن المكانة تُقاس بالاقتراب من الكرسي لا بالمسؤول المؤهل التي تحمله.

إنها قوة صبر لا توجد إلا عند من يملك ثقة عالية بالنفس، وإيمانًا عميقًا بأن عبور هذه المرحلة لا يكون إلا بالحكمة وطول النَفَس. وهذا ما يميّز الدكتور رشاد، امتلك من المرونة ما جعله أهلًا لقيادة مرحلة تطغى فيها المرهقات، والمراهقات التي تُفلّ سيف المقاتل، وتُبطل رصاص بندقية الخبير المحارب.

ورغم كل ذلك، تُفاجَأ الأمة اليمنية بدعوة صدرت لاحقًا عما سُمِّي: بالأمانة العامة للمكتب السياسي للمقاومة الوطنية الديمقراطية الشعبية الكبرى' في ساحل تعز الغربي، زاعمةً السعي لتصحيح مسار إدارة الدولة وهم أحد أدوات الإعاقة!.

لم تدعُ إلى إعادة رصّ الصفوف، ولا إلى تصحيح مسار الحرب ضد الميليشيات، ولا إلى استعادة الدولة ومؤسساتها التي بيعت في يوم غادر؛ بل انشغلت عن الحلم الجماهيري الوطني، واستسلمت لأوهام التموضعات السياسية والعسكرية الحالمة.

لم تطرح رؤيةً لاستعادة اليمن، الذي ذهبت به أطماع التقاسمات أدراج الرياح. لم تنادِ بتوافقات وطنية تعزز وحدة الصف، وتكسر حاجز الصمت، وتُسقط الأهواء الذاتية التي عطّلت مسار التحرير.

لم تتجرأ على خلع رباق التبعية والانقياد لقوى إقليمية جعلت من اليمن ساحة لتصفية حسابات برجماتية فاحشة، وصنعت من نخبه وأحزابه مجرد أدوات في مسرحية الحلقة المفرغة، لا أكثر.

لم تُقدِم مشروع لصناعاتٍ عسكرية وطنية تُمكّن الجبهات من الاعتماد على النفس، كما فعلت قوى أخرى في ظروف مشابهة..
لم تُطالب بإنفاذ القانون والدستور في وجه من خان الجمهورية وتحالف مع المشروع الإمامي الإيراني، وسلّم معسكرات، مدافع، دبابات، ومخازن، الجيش، وخان مبادئ وقيم الثورة والجمهورية.

لم تدعُ إلى توحيد التشكيلات العسكرية تحت مظلة وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان، ولا إلى الاعتراف بالشرعية من رأس الهرم حتى آخر جندي مرابط في الجبال.

لم تنادِ بصرف رواتب الوحدات القتالية، ولا بمداواة الجرحى، ولا بتكريم الشهداء وأسرهم، ولا بمنحهم النموذج الذي يُلهم بقية الدماء المنتظرة لمعركة الحسم وتحرير العاصمة.

لم تُبدِ حرصًا على حماية الوحدة الوطنية ضمن الإطار الجامع للوحدة اليمنية، التي تضمن عدالة التمثيل السياسي، الاقتصادي والوظيفي بين كل أبناء الوطن: من السهل إلى الساحل، ومن الصحراء إلى أعالي الجبال.

لم تُعارض المحاصصة الهازمة، ولم تُشترط الكفاءة والنزاهة والولاء للدولة للثورة والجمهورية، بل باركت تقاسم الانقسامات التي نخرت جسد الصف الوطني من قاعدته إلى أعلى هرمه.

لم تفعل شيئًا من ذلك وإنما أصدرت دعوة خجولة، مفادها: 'وإن لم نكن حزبًا بالمعنى الحزبي، تشكّل وفقًا لقانون الأحزاب السياسية، ولا كيانًا سياسيًا مستوفيًا للشروط، حاملًا لمشروع وطني جامع وبرنامج يلبي تطلعات اليمنيين جميعهم، فلا تنسونا من دعوات الحضور في المشاورات السياسية واللقاءات الوطنية الجامعة. ولا تنسونا، وإن كان ما لدينا أكثر مما لديكم، أن تمنحونا شيئًا مما في أيديكم.

متعلقات