السبت-31 مايو - 09:32 م-مدينة عدن

باحثون يحللون ميكروبات مرتبطة بالطاعون والجذام عمرها آلاف السنين

الجمعة - 30 مايو 2025 - الساعة 04:11 م بتوقيت العاصمة عدن

عدن سيتي _متابعات

تمكّن علماء آثار متخصصون في الميكروبات، من خلال دراسة أجروها على أنواع من البكتيريا يبلغ عمر بعضها آلاف السنين، من الإجابة عن سؤالين: لماذا استمرت أوبئة الطاعون كل هذا الوقت؟ وهل كان مرض الجذام موجوداً في الأميركتين قبل وصول الأوروبيين؟
ونشرت مجلة "ساينس"، أمس الخميس، دراستين عن تاريخ هذين المرضين الراسخين في الخيال الجماعي، وهما الطاعون الذي تسبب في ما عُرف بـ"الموت الأسود" في نهاية العصور الوسطى، والجذام الذي ارتبط على مر القرون بصور مرضى مشوهين جداً.
ورأى عالم الأحياء الدقيقة خافيير بيزارو سيردا، الذي شارك في إعداد الدراسة الأولى، في حديث لوكالة "فرانس برس" أن "لبكتيريا الطاعون أهمية كبيرة في تاريخ البشرية، لذا من المهم معرفة كيفية انتشار هذه الأوبئة".
ويعمل بيزارو سيردا كباحث في معهد "باستور" الفرنسي الذي شارك في إعداد الدراستين.
وتشرح دراسته، التي أُجريت بالتعاون مع علماء من جامعة "ماكماستر" الكندية، سبب استمرار كل وباء طاعون لمدة طويلة على مر العصور.
فخلال الأعوام الألفين المنصرمة، شهد العالم ثلاث جوائح طاعون، مثّلت أولاها المعروفة باسم "طاعون جستنيان" وامتدت مئتي عام، نهاية العصور القديمة وبداية العصور الوسطى. وبعد نحو ألف عام، بدأ الوباء الثاني بـ"الموت الأسود" الذي أودى بحياة قرابة نصف سكان أوروبا في منتصف القرن الرابع عشر، ثم تسبب في نوبات متكررة لقرون.
أما الوباء الثالث، الذي بدأ في آسيا في منتصف القرن التاسع عشر، فلا يزال مستمراً إلى اليوم مع حالات متعددة، لا سيما في دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، كجمهورية الكونغو الديمقراطية ومدغشقر وأوغندا وغيرها.
وفحص معدّو الدراسة عينات من بكتيريا الطاعون الدبلي "يرسينيا بيستيس"، تعود إلى كل من هذه الأوبئة. ولاحظوا وجود رابط مشترك: في الحالات الثلاث، خضع الميكروب لتطور وراثي قلل تدريجياً من ضراوته.
قد يظن المرء أن الوباء ينقرض عندما يصبح الميكروب أقل خطورة. ولكن بتسببها بعدوى أقل خطورة، أطالت بكتيريا الطاعون مدة بقائها، مما أتاح لها فرصاً أكبر للانتقال من فرد إلى آخر.
وأكّد باحثو معهد "باستور" هذه الفرضية من خلال افتعالهم إصابة مجموعات من الفئران بعينات حديثة، إذ استمر المرض لمدة أطول عند انخفاض ضراوة البكتيريا.
ويمثل هذا تقدماً ملحوظاً في فهم أوبئة الطاعون، مع أن السياق الحالي، في ضوء فاعلية المضادات الحيوية في مكافحة المرض، يختلف اختلافاً كبيراً عن القرون المنصرمة.
وقال بيزارو سيردا: "هذا يُتيح لنا تكوين فهم شامل لكيفية تأقلم مسببات الأمراض مع مختلف الأوضاع. بات في إمكاننا أخيراً فهم ماهية الطاعون بشكل أفضل، وكيف يُمكننا تطوير تدابير للدفاع عن أنفسنا ضده".
جذام أميركي
ويُوفر الماضي أيضاً تفسيرا للحاضر في الدراسة الثانية، التي تبحث في مسار الجذام عبر آلاف السنين.

وتعاونت فرق معهد "باستور" في هذا الشأن مع جامعة كولورادو لفحص مئات العينات من الحفريات الأثرية في أميركا الشمالية والجنوبية.
واكتشفوا في هذه الحفريات إحدى البكتيريا المُسببة للجذام، وهي المتفطرة الجذامية الورمية علماً أن تاريخ هذه العينات يعود إلى 9000 عام، أي قبل زمن طويل من وصول المستوطنين الأوروبيين الأُوَل.

وقال نيكولا راسكوفان، الاختصاصي في علم الجينوم القديم في معهد "باستور"، لوكالة الأنباء الفرنسية: "تظهر دراستنا أن شكلاً من أشكال الجذام كان موجوداً أصلاً في الأميركتين، وأنه انتشر في مختلف أنحاء القارة".
وأضاف "لم يقتصر الأمر على جزء صغير من القارة، بل كان منتشراً في كل مكان".
مع ذلك، تنبغي محاذرة استبعاد الاستعمار كعامل لانتشار المرض. فقد نقل الأوروبيون بالفعل بكتيريا أخرى إلى الولايات المتحدة، وهي المتفطرة الجذامية، والتي كانت تُعتبر حتى العقد الأول من القرن الـ21 السبب الوحيد لمرض الجذام.
لكن هذا الاكتشاف سيساعد في توجيه البحث حول المتفطرة الجذامية الورمية التي لا تزال مشوبة بالكثير من الغموض منذ اكتشافها عام 2008.
وخلص راسكوفان إلى القول: "لا يزال أمامنا الكثير من التنوع لاكتشافه في هذا العامل المُمرض. ونعلم الآن أن علينا البحث عنه في أميركا، وليس في أي مكان آخر. وهذا يُساعدنا على وضع استراتيجيات لمكافحة الأمراض ومسبباتها".

متعلقات