السودان.. والدور العربي المطلوب!

الخميس - 15 مايو 2025 - الساعة 11:18 م بتوقيت العاصمة عدن

الوطن العربي "عدن سيتي " أماني الطويل : متابعات






السودان.. والدور العربي المطلوب!


انتقلت الحرب السودانية إلى طورٍ جديدٍ مؤخّرًا هو الأعنف تأثيرًا والأكثر خطورةً ليس على السودان فحسب، ولكن على العلاقات العربية - العربية بعد أن دخلت إلى مراحل متقدمةٍ من تباين الرؤى عطفًا على تباين المصالح.


تطوران على المستوييْن السياسي والعسكري يمكن اعتبارهما نقلةً كيفيةً في الصراع السوداني، حيث أفشلت الخلافات العربية - العربية مجهودات مؤتمر عُقد في لندن مؤخرًا بشأن إمكانية إحداث اختراق لوقف الحرب، وقد فشل المؤتمر عطفًا على عدم القدرة على إصدار بيانٍ ختاميّ تتوافق عليه الأطراف العربية بعد تصنيف المؤتمر سودانيًا، أنّه بدفعٍ مباشرٍ من دولة الإمارات.


أمّا التطور العسكري الأخير فهو مرتبط بهجوم المُسيّرات التابعة لقوات "الدعم السريع" على عددٍ من المناطق في منطقة سيطرة الجيش منها بورتسودان شرق البلاد ومقرّ الحكومة الحالية والتي تمّت فيها مهاجمة خزانات وقود وقواعد عسكرية بحرية، فضلًا عن قصف مخازن ذخيرة ومحطّات كهرباء في مدن مروي وشندي وعطبرة وكوستي.



بات المشهد الصّراعي حول السودان أكثر وضوحًا وعلانية


النتائج النهائية لهذه الهجمات هو حرمان المدنيين السودانيين من الماء والكهرباء فضلًا عن خسارة الجيش لمعداتٍ عسكريةٍ كبيرة.
الهجوم الكاسح الذي قامت به "الدعم السريع" جاء ردًّا على هجوم من جانب الجيش السوداني على مطار نيالا في ولاية جنوب دارفور حيث تمّ قصف طائرة يقول الجيش إنّها جاءت مُحمّلةً بعتاد عسكريّ لـ"الدعم السريع" من دولةٍ عربية.



ومع بيان وزارة الخارجية الإماراتية الأخير، بات المشهد الصّراعي حول السودان أكثر وضوحًا وعلانيةً، ذلك أنّ هذا البيان اعتبر أنّ الكتائب المسلّحة للإسلاميين السودانيين هي العائق الأكبر للوصول إلى مرحلتيْ التفاوض ووقف إطلاق النار وذلك بسيطرتها على الجيش السوداني، حيث ينحاز البيان والدولة للدعم السريع باعتباره طرفًا حاملًا لحكْمٍ مدنيّ وتحوّلٍ ديموقراطي!.


أمّا بيانات وزارتيْ الخارجية في كلٍّ من مصر والمملكة العربية السعودية فقد جاءت مناصِرةً لمؤسّسات الدولة أي الجيش ووحدة الأراضي السودانية من دون الالتفات للمعادلة الداخلية السودانية إلّا بمنظورٍ شاملٍ ومؤسّسٍ على حوارٍ سوداني - سوداني يضمّ جميع الأطراف، وكذلك تعضيدًا لمنصة جدّة التفاوضية.
هكذا، فإنّ الحرب السودانية تشهد صراعًا إقليميًا حادًّا على خلفية عامليْن؛ الأوّل تصاعد التوتّر بين السودان والإمارات على خلفيّة رفع السودان لدعوى ضدّ الإمارات أمام محكمة العدل الدولية وقد خسرها بحكْم المحكمة التي دفعت بعدم الاختصاص. أمّا العامل الثاني في التصعيد فهو اختيار كلّ من مصر والسعودية منهجًا مخالفًا للموقف الإماراتي ورؤيته لحلّ الصراع متأثرًا ربّما بحالة التصعيد التي يمارسها الإسلاميون السودانيون ضدّها وضد حلفائها في السودان.


للتوسّط بين السودان والإمارات عبْر طرفٍ عربيّ ثالث
في هذا السّياق، ربّما يكون من المهم طرح مقارباتٍ من شأنها تهدئة التفاعلات المحتدمة حاليًا، وصولًا ربما لطرح نقاطٍ للتوافق مؤسَّسةً على الاستجابة النّسبية لمصالح الأطراف العربية، التي سوف تنعكس بالضّرورة على المعادلة الداخلية السودانية بالتهدئة أيضا.


المقاربة التي أطرحها قائمة على وقف التصعيد من جانب السودان ضدّ الإمارات بمعنى التوقّف عن أسلوب الدعاوى القضائية ضدّ أبو ظبي، وقطع العلاقات وغيرها من الممارسات التي لها طابع شعبوي أكثر منها طابعًا واقعيًا مستجيبًا للمصالح الحقيقية، وبطبيعة الحال هذه الخطوة هي رهنٌ بموقف الإسلاميين السودانيين وكتائبهم المسلحة التي تحاول الدّفع بالصّراع العسكري إلى آفاقٍ مفتوحةٍ، متجاهلةً أنّ تصعيد الصراع إلى هذا المستوى من شأنه هدم مصالحها الذّاتية في مرحلةٍ لن تكون بعيدة.


وظنّي أنّ تغيير موقف هؤلاء رهنٌ بأمريْن؛ الأول فتح حوارٍ عقلانيّ مباشرٍ من أطراف وسيطة قد تكون عربية مع قيادتهم بشأن مدى الإمكانية الواقعية لتحقيق مشروعهم حتّى ولو على جزءٍ من السودان، وبالتوازي مع ذلك مطلوب فتح حوارٍ مع قواعدهم الموجودة في مصر عبر منظّمات وسيطة أو ما يُسمّى بالمسار الديبلوماسي الثاني للوصول إلى تفاهمات بشأن تخفيض التصعيد ضدّ الإمارات وضدّ حلفائها الداخليين.


الأمر الثاني التوسّط بين السودان والإمارات عبْر طرفٍ عربيّ ثالث، وأُرشّح هنا مصر التي لعبت هذا الدور سابقًا، وإن كنت لا أشكّ أنّ تركيا أو قطر من الممكن أن تمارس أدوارًا إضافيةً في هذه المرحلة بحيث يتوقّف التراشق الرّاهن لتحجيم الخسائر المُنعكسة على البنية التحتية السودانية، ومستقبل السودان ذاته.
النموذج السوداني الصّراعي يُحتّم على العرب التفكير جدّيًا في ترتيب مصالحهم مع بعضهم البعض
أمّا على مستوى "الدعم السريع" فإنّ الأدبيات السياسية والأكاديمية الرّصينة قد توافقت على أنّ الميليشيات لا يمكن أن تكون بدائل للدّول فهي لا تستطيع أن تمارس أدوارًا تكتيكيةً، ولكنّها أبدًا لا تقوم بوظيفة الدولة الشرعية في عمليات الرّدع الاستراتيجي، كما أنّها لا تستطيع العيش إلّا بحليفٍ خارجيّ وبالتالي تتحمّل أثمان مشروعه السياسي أو الاقتصادي حتّى على حساب مصالحها الذّاتية، من هنا فإنّ التصعيد العسكري في هذه المرحلة لن يخدمَ حتى مصالح "الدعم السريع" لا على المستوى المتوسط ولا البعيد.


إجمالًا، فإنّ النموذج السوداني الصّراعي يُحتّم على العرب التفكير جدّيًا في ترتيب مصالحهم مع بعضهم البعض لتكون هناك تفاهمات بشأن احترام كلّ طرف لمصالح الآخر، إذ إنّ هذا النوع من الصدامات الذي نشهده يجعل كل الأطراف، سواء العربية أو الداخلية السودانية، خاسرةً في صراعٍ لا يبدو له أي أفق.


خاص "عروبة 22")

متعلقات