ٱراء واتجاهات


ليسوا أعداء بل شركاء مصالح… والثمن يُدفع من اليمن إلى الجنوب بقلم: وضاح قحطان الحريري

السبت - 14 يونيو 2025 - الساعة 08:42 م

الكاتب: وضاح قحطان الحريري - ارشيف الكاتب




في ظل ما تشهده المنطقة من تصعيد وتداخل في ملفات الصراع، تزداد تعقيدات الحرب في اليمن، وتبدو كل المؤشرات بعيدة عن أي حل سياسي أو اقتصادي ينقذ البلاد من دوامة الانهيار. فلا المبادرات الدولية تُثمر، ولا الأطراف المحلية تبدو معنية حقًا بالخروج من النفق، بل على العكس، تمارس جميعها سياسة اللعب على حافة الهاوية، وكأنها تحاكي لعبة الكبار في المنطقة، حيث لا منتصر حقيقي، ولا خاسر يُلام.

زيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي إلى عدن برفقة الأستاذ سالم بن بريك، ثم مغادرتهما بعد يومين، ليست سوى مشهدٍ عبثي متكرر، يُضاف إلى سلسلة مشاهد "اللاحدث" في الجنوب. إنها زيارة أقرب إلى المسرح السياسي منها إلى التحرك الجاد. لم تتجاوز صدى الصور والمراسم، وغادرت كما جاءت، دون أن تترك أثرًا ملموسًا في الملفات الشائكة التي تنتظر قرارات واضحة وإرادة وطنية صادقة.

أما على مستوى الإقليم، فنحن أمام مسرح أكبر تلعب فيه قوى متعددة: ضربة جوية إسرائيلية تستهدف مواقع في إيران، تتبعها تصريحات نارية من طهران بالوعيد والتنديد، ثم تمر الأيام دون ردّ حقيقي يُذكر. ما رأيناه في وسائل الإعلام من صور دخان في سماء تل أبيب جراء الضربات الإيرانية لا يختلف كثيرًا عن المشهد الذي اعتدنا عليه من جماعة الحوثي، حيث صواريخ تُطلق ولا تغيّر شيئًا في معادلة الصراع. بدا الرد الإيراني أشبه بمحاولة لحفظ ماء الوجه بعد الضربات التي تلقّتها، ضمن تناغم إقليمي خفي يثير الريبة.

في هذا السياق، تبدو لعبة التوازنات وكأنها ليست سوى توزيع أدوار. ما بين تل أبيب وطهران، وما بين صنعاء وعدن، لا تمثّل هذه المدن أطرافًا في صراعٍ متوازن، بل ساحات مستباحة تُرسم فوقها خرائط النفوذ، وتُدفع فيها الفواتير، بينما يبقى الإنسان في الشمال والجنوب وقودًا لحروب الآخرين ومصالحهم المتقاطعة. إنه مشهد تراجيدي تتكرّر فصوله، بينما تتقاسم القوى الكبرى الكعكة على حساب الجغرافيا والدم العربي.

المشروع الوطني الجامع الذي يناضل من أجله الجنوب، أو الحل السياسي الشامل القائم على خيار الدولتين (شمال وجنوب)، يُعد الطريق الأكثر واقعية وإنصافًا لإنقاذ اليمن من المصير الغامض والفوضى المستمرة، ووضع حد لحالة التيه التي تعيشها البلاد. فهو لا يقوم على العناد أو الإقصاء، بل على الاعتراف بالواقع التاريخي والجغرافي والسياسي، ومن هنا فهو السبيل لإنهاء الصراع وإعادة بناء دولة تضمن الكرامة والعدالة للجميع.

إن استمرار هذا العبث السياسي والارتهان للخارج لن يُنتج وطنًا، بل سيُبقي اليمن ساحة مفتوحة لصراع الآخرين، ولن يكون هناك ازدهار أو استقرار طالما بقيت المصالح الأجنبية هي المحرك الأول، وطالما ظلت الإرادة الوطنية غائبة أو مغيبة.