الإثنين-09 يونيو - 07:16 ص-مدينة عدن

سعاد حسني: أنا قارئة الفنجان ! ( 1 - 2 )

الخميس - 22 أغسطس 2024 - الساعة 03:46 ص بتوقيت العاصمة عدن

" عدن سيتي " متابعات







أبرز ما ورد في المذكرات التي نُسبت إلى سعاد حسني ونشرت في مواقع إلكترونية ومطبوعات عربية كثيرة قولها إن الشاعر السوري نزار قباني استلهم قصيدة �قارئة الفنجان� منها. إنها القصيدة الشهيرة التي لحنها محمد الموجي وغناها عبد الحليم حافظ في أبريل 1976، وتعتبر إحدى أجمل أغانيه وأشهرها وعلق عليها ذات مرة قائلاً: �كتب الشاعر نزار قباني هذه الكلمات كما لو أنه يقرأ طالعي�. �اعتراف� سعاد حسني بأنها �قارئة الفنجان� يفتح المجال للحديث عن مجموعة �أوهام� في حياة النجمة الراحلة. تتجلى هذه الأوهام في القصيدة نفسها وفي علاقة سعاد بعبد الحليم حافظ وعلاقة الأخير بالمرأة ككل. لنبدأ من وهم العنوان نفسه، فالشاعر الذي اختار أن تكون سعاد قارئة الفنجان، قيل في التحليلات الصحافية إنه استلهم القصيدة من قارئة الفنجان (أو العرافة) نفسها، ولا عجب في ذلك، خصوصاً أن قباني استوحى قصائده من معظم النساء في العالم، من المرأة الجميلة إلى الراقصة وصولاً إلى الحامل بطريقة غير شرعية، وتحمل الكتابة عن العرافة بعض السحر لأن �التبصير� فيه بحث عن الأمل وتحقيق الطموحات. حين تذكر سعاد أنها قارئة الفنجان يصبح للقصيدة معنى آخر أكثر وضوحاً، كأنها أحد أقنعة العلاقة الملتبسة والعابقة بالأسرار بينها وبين عبد الحليم والتي قيل الكثير فيها وكاد الحديث حولهما يتحوّل إلى حكاية لا تنتهي. ثمة من يقول إن كثرة الكلام عن الزواج العرفي بين �أخت القمر� و{العندليب الأسمر� يهدف إلى التغطية على أسرار أخرى كانت تحصل في حياة هذا الأخير. قصة قارئة الفنجان فكرة لرواية تحتاج إلى من يكتبها، وهي لا تخصّ سعاد حسني وعبد الحليم فحسب بل تطاول النظام المصري في زمن الرئيس محمد أنور السادات وحكاية البلطجية في الواقع المصري. تقول الرواية إنه بعد أن انتهى عبد الحليم حافظ من قراءة قصيدة لقباني في أحد دواوينه وأعجب بها، قرر غناءها. لكنه كان معترضاً على بعض الكلمات، فاتصل بالشاعر الذي كان يتنقل بين أكثر من دولة عربية وأوروبية، وبعد محادثات طويلة اقتنع الشاعر بوجهة نظر عبد الحليم. في المقطع الأول يقول نزار: يا ولدي قد مات شهيداً... من مات على دين المحبوب. تم الاتفاق على تغييرها إلى: يا ولدي قد مات شهيداً... من مات فداءً للمحبوب في ذلك، استعاد عبد الحليم الكتابات العربية عن الموت وميتات العشاق، وطيف قبيلة �عذرة� ومسكنها في وادي القرى بين الشام والمدينة. عرفت هذه القبيلة بالجمال والعشق حتى قيل لإعرابي من العذريين: �ما بال قلوبكم كأنها قلوب طير تنماث، أي تذوب، كما ينماث الملح في الماء؟ ألا تجلدون؟ قال: إنا لننظر إلى محاجر أعين لا تنظرون إليها. قيل لآخر: فمن أنت؟ فقال: من قوم إذا أحبوا ماتوا، فقالت جارية سمعته: عُذريٌّ وربّ الكعبة�. الغريب ليس في أن عبد الحليم من �سلالة� العذريين، بل في أنه كان يخاف الحساسية الدينية أيّام كانت القاهرة مركز الثقل الفني العربي، فلجأ إلى التبديل في النص الأصلي. ليس وحده من فعل ذلك، فمن يتابع مسار الغناء العربي في القرن العشرين يلاحظ سطوة الحساسية الدينية على أغانٍ كثيرة، فريد الأطرش بدّل في كلمات �عش أنت� للأخطل الصغير، ووضع كلمة الإيمان بدل القرآن الموجودة في النص الأصلي، فيما غيَّرت أم كلثوم في نصوص كثيرة للأسباب نفسها. وكلاب تحرسه وجنود نعود إلى قصيدة �قارئة الفنجان� لتبيان تركيبتها قبل الغناء وبعده، ففي المقطع الثالث يقول قباني: ضحكتها موسيقى وورود. تم الاتفاق على تغييرها إلى: ضحكتها أنغام وورود. في المقطع الثالث أيضاً يقول نزار: فحبيبة قلبك يا ولدي نائمة في قصر مرصود وكلاب تحرسه وجنود. حُذفت عبارة �وكلاب تحرسه وجنود�، وفي ذلك إشارة إلى أن معظم المغنين العرب يتهرب من الكلمات �النابية� أو الواقعية، فيختار الفضاء الهلامي والخيالي. أن تُحذف كلمة كلاب، في ذلك ربما عودة إلى ميتولوجيا المقدس والمدنّس، والحال أن الشعراء أو الفنانين العرب في زمن المجد الفني، خصوصاً أم كلثوم وعبد الحليم، كانوا يختارون الكلمات التي لا تقترب من الواقع الأرضي، بل هي سفر في عالم الغيب واللامسحوس. �قارئة الفنجان� بمثابة درس في الحذف والإضافة والتجميل، فالشاعر أضاف إلى القصيدة أبياتاً أخرى لم تذكر في الديوان منها: مقدورك أن تمضي أبداً/ في بحر الحبّ بغير قلوع/ وتكون حياتك طول العمر/ كتاب دموع. وبحسب اللقاء الذي عقده التلفزيون المصري مع عبد الحليم أوضح الأخير أنه تم حذف مقطع: ستحب كثيراً وكثيراً وتموت كثيراً وكثيراً/ وستعشق كل نساء الأرض/ وترجع كالملك المخلوع. أضاف بدلاً منه : فبرغم جميع حرائقه وبرغم جميع سوابقه وبرغم دموع مآقينا وبرغم ضياع أمانينا (تم حذفه أثناء البروفات من عبد الحليم والموجي). ثم أضاف نزار قباني إلى القصيدة: والشعر الغجري المجنون يسافر في كل الدنيا/ والخصر رقيق كالرؤيا/ وطيور الصيف تفكر بالشفة العليا/ كي تسرق منها ياقوتاً أو تخطف زهرة غاردينيا. وأيضاً أضاف المقطع الأخير: ستفتش عنها يا ولدي في كل مكان/ وستسأل عنها موج البحر/ وتسأل فيروز الشطآن/ وتجوب بحاراً وبحارا/ وتفيض دموعك أنهاراً/ وسيكبر حزنك حتى يصبح أشجاراً/ وسترجع يوماً يا ولدي/ مهزوماً مكسور الوجدان/ وستعرف بعد رحيل العمر/ بأنك كنت تطارد خيط دخان/ فحبيبة قلبك ليس لها أرضٌ/ أو وطن أو عنوان/ ما أصعب أن تهوى امرأة/ يا ولدي ليس لها عنوان... قد يكون الاستدراك هنا طويلاً، لكنه ضروري لتعلّقه بقصيدة استغرق الموسيقار محمد الموجي سنتين في تلحينها، حسب ما قال في لقاء له مع مجلة �فن�، وقد أعطى بعض المقاطع أكثر من لحن وبمقامات موسيقية مختلفة. حب أوحد عودة مجدداً إلى المذكرات التي نسبت إلى سعاد حسني وفيها فصل في عنوان �أنا قارئة الفنجان�. ذكرت سعاد فيه أنها حبّ حليم الأوحد وأن أغنية �قارئة الفنجان� كتبها قباني بعدما لجأت إليه لحمايتها من ضابط الاستخبارات المصري صفوت الشريف، وبعدما عرف الحكاية منها كتب �قارئة الفنجان� تخليداً لغرام سعاد وحليم. في التفاصيل، أوضحت سعاد أن قباني كان يزور ذات مرة لندن بعدما قدم استقالته من السلك الدبلوماسي في سورية (1966) وتفرغ للشعر، وكان قد أنشأ آنذاك داراً للنشر باسمه، والتقته سعاد وروت له مخاوفها من صفوت الشريف وجوهر علاقتها بحليم. بحسب التعليقات على المذكرات، كان قباني بالنسبة إلى سعاد بمثابة الأب وكانت زوجته بلقيس بمثابة الأم لها. روى قباني لسعاد أنه كان يتابعها منذ الطفولة وأنه من أطلق عليها لقب �أخت القمر�، تلك الأغنية التي اشتهرت بها سعاد وهي طفلة تغني في برنامج �بابا شارو{ في الإذاعة المصرية، و{أخت القمر� مصطلح أخذه نزار من عنوان قصيدة شهيرة له اسمها �خبز وحشيش وقمر�، وهي إحدى أشهر القصائد السياسية التي وصفت حالة الخمول التي يعيشها العرب، وأثارت رجال الدين في سورية ضده، فطالبوا بطرده من السلك الدبلوماسي، وانتقلت المعركة إلى البرلمان السوري، فكان الراحل المبدع أول شاعر تناقش قصائده في البرلمان. عندما قرر قباني أن يكتب قصيدة تضمّ حكاية حب حليم وسعاد كانت �قارئة الفنجان�، على أن الشاعر السوري طلب من سعاد أن تبتعد عن حليم وتنهي حكايتها معه ضماناً لأمنه وسلامته. حينما سافر حليم التقى سعاد ثم نزار الذي حكى له ما أخبرته به النجمة. آنذاك قرأ نزار قصيدة �قارئة الفنجان� على حليم فانهار وبكى بشدة، خصوصاً عند مطلع �يا ولدي قد مات شهيداً من مات فداء للمحبوب�. لكن العندليب طلب تغيير سطر شعري كامل من القصيدة يقول: �فحبيبة قلبك يا ولدي نائمة في قصر مرصود والقصر كبير يا ولدي وكلاب تحرسه وجنود�، إذ خاف من إثارة صفوت ورجاله بعبارة �وكلاب تحرسه وجنود�. بالطبع لعبد الحليم مع الدموع والمرض قصة طويلة، بعضهم يقول إنه كان يستغلّ مرضه ولوعته للوصول إلى الجمهور، وبعضهم يقول إن �كربلائيته� كانت نوعاً من سلوكية وجدت في جيناته ولم تنته... أمّا قصة �قارئة الفنجان� فلم تنته بأن غناها العندليب. في عيد شم النسيم في أبريل (نيسان) 1976، غنى عبد الحليم هذه القصيدة، وعلى رغم أن معظم الجمهور استقبلها باستحسان، إلا أن فئة منهم كانت تصدر هتافات وصفيراً طوال الوقت، وليس في نهايات المقاطع كما هو معتاد، فقال عبد الحليم �بس بقه� وقام بالتصفير أيضاً، فانتقدته الصحف المصرية بشدة، ثم حاول في أكثر من لقاء توضيح موقفه، كما في حواره مع مجلة �آخر ساعة�. يُذكر أنه نُقل عن سعاد أن الشريف هو من دبر هذه الأحداث بأن أرسل بلطجية وغوغائيين إلى المسرح، وربما كان السبب في الخلافات بين سعاد وعبد الحليم التي في جوهرها أفلام إباحية صورتها المخابرات المصرية لسعاد تحدثنا عنها في مقال سابق. المرأة الوحيدة حكت سعاد حسني في مذكراتها أن نزار قباني اتصل بعبد الحليم عقب حفلة شم النسيم، وكان متأثراً للغاية مما حدث من البلطجية في المسرح وقال له جملة واحدة عزاه فيها على حبه لها: �البقية في حبك يا حليم لقد كنت رجلاً نبيلاً... وخلدت حبك لها وسوف يعرف العالم في يوم ما الحقيقة�. تذكر سعاد أنها علمت بمكالمة قباني لعبد الحليم من سكرتيرة الأخير سهير محمد علي التي قالت إن العندليب أغلق السماعة وهو يبكي حبه. ربما حب حليم لسعاد لخصه يوم وفاته في ورقة وجدت في أغراضه في مستشفى �كولدج� في لندن، فقد روت سعاد وهي تبكي أن حليم، قبل وفاته وربما قبل دخوله غرفة الجراحات لآخر مرة، كتب بخط يده مقطعاً صغيراً من �قارئة الفنجان�، هو: �وبرغم الجو الماطر والإعصار... الحب سيبقى يا ولدي... أحلى الأقدار�، وكان يعلن لها وهو يموت أنه مات وهو يعشقها وأنها كانت المرأة الوحيدة في حياته. وإذا كانت سعاد قالت إنها �قارئة الفنجان� فإن علاقتها بعبد الحليم حافظ تبقى لغزاً أبدياً، وهنا ألف حكاية وحكاية في هذا الإطار. اعترفت عائلة سعاد بزواجها من عبد حليم وأدرجته ضمن زيجاتها الخمس، وذكرت أن حمى الحب اشتعلت عام 1962 أثناء رحلة المغرب مع بعثة صوت العرب للاحتفال بالجلوس الملكي، وكانت أيام العسل بين إيطاليا وسويسرا، ودعمت أسرة سعاد الحقيقة بشواهد ومن بينها ما أدلت به سعاد للدكتور عصام عبد الصمد، طبيبها الخاص في لندن وصديقها المقرب. سألها الدكتور: �هل إشاعة زواجك من حليم صحيحة؟ فأجابت: نعم صحيحة. سألها: طب ليه خبيتيها؟ قالت: أنا خبيتها عشان دي كانت رغبة حليم نفسه إحنا كنا متزوجين عرفي وأنا ما كنش عندي مانع أنو الزواج يعلن، لكن حليم يا سيدي طلب سرية تامة خوفاً على معجباته. سألها الدكتور: طب ليه أخفيتي الموضوع ده بعد وفاة حليم؟ فقالت: عشان أهل حليم ما يفتكروش إني طمعانة أو عايزة حاجة منهم�. في مذكرات سعاد ففي ملخصها تثبت أنها كانت قد تزوجت بالكلمتين �زوجتك نفسي� من عبد الحليم سراً بعد علاقة غرامية عاصفة انتهت بدراما سقوطها في قبضة صفوت الشريف. كتبت سعاد: �لم يكن هناك أحد من المحيط إلى الخليج لا يريد جسد سعاد الذي باعوه بالرخيص�، وروت أنها طلبت من صفوت التوقف لأنها ستتزوج من عبد الحليم حافظ فثار عليها وهددها وأقنعها بأن مستقبلها مع السلطة. بعدها ذكرت سعاد أن صفوت دعا عبد الحليم وجعله يشاهد فيلمها الأول فانهار، وفي طريق عودته إلى منزله نزف بشدة وأغلق على نفسه أياماً عدة حتى اعتقد من حوله أنه يعاني من أزمة فنية، بينما كان حزيناً بعدما طلب منه صفوت الابتعاد عن سعاد لمصلحة مصر�. أما الراقصة المصرية المعتزلة نجوى فؤاد فنفت إشاعة زواج عبد الحليم حافظ بسعاد حسني، وأرجعت السبب إلى عدم قدرة المطرب الراحل على أداء واجباته الزوجية على رغم حبه الشديد لسعاد، وقالت في حوارها مع جريدة �الوفد� المصرية: �لم يحدث أن تزوج عبد الحليم حافظ من سعاد حسني. كان عبد الحليم صديقي جداً، وكنت مخزن أسراره وذات مرة اعترف لي بحبه الشديد للرائعة سعاد حسني�. أضافت: �أكد لي عبد الحليم وقتها أنه لا يستطيع الزواج منها لأنه يعيش بربع كبد ولا يقدر على القيام بدوره كرجل، وللعلم كانت سعاد حسني تعشقه جداً. لكن كانت تفسر كلامه على أنه رغبة في الهروب من الارتباط الرسمي�. اعتراف استطاع الكاتب مفيد فوزي �انتزاع} اعتراف من السندريلا نشر في مجلة �صباح الخير� وضمه كتابه �صديقي الموعود بالعذاب�. يفيد الاعتراف بأن سعاد تزوجت حليم عُرفياً لمدة ست سنوات كاملة، وأن لديها أوراقاً تثبت هذا الزواج، لكنها بقيت طي الكتمان؛ بل راح القريبون من عبد الحليم ينفون بشدة أن يكون هذا الزواج قد تحقق، وقال مجدي العمروسي: �الحقيقة أن سعاد وحليم قد اتفقا على الزواج وذهب جليل البنداري وحسن إمام عمر وأحضرا المأذون إلى منزل سعاد حسني لعقد القران، ولكن كانت بانتظارهما صدمة كبيرة هي رفض سعاد حسني الزواج من عبد الحليم عندما قالت إنها لا تنكر حبها الكبير لحليم وهذا ما يمنعها من الزواج به!� وأضاف العمروسي: �لا شك في أن معاشرة عبد الحليم لسعاد حسني، ووجوده عندها غالباً سببا بعض الأقاويل، وكثيراً من الهمسات والتلميحات، فقد رافقته في إحدى رحلاته الفنية إلى شمال أفريقيا، اشترى لها خلالها كماً كبيراً من الملابس والمتطلبات التي أثارت الأقاويل، إلى درجة أن كثراً اعتقدوا أنه يشتري لها لوازم الفرح وأصبح الزواج وشيكاً، وعندما عادا إلى مصر انتظر الجميع الخبر السعيد، لكن لم يحدث شيء من ذلك، وعندما جلست إلى �حليم� أسأله عما يتردد من إشاعات زواجه من سعاد والمشتريات المهولة التي ابتاعها لها قال: �يعني معقول يا مجدي يبقى فيه جواز من غير إنت ما تعرف أو أي حد من أهلي، إنت يا مجدي مش عارف رأيي في حكاية الزواج، وأنه ليس من مشاريعي الحالية أو المستقبلية الأكثر 


يتبع ( 2 - 2 )

متعلقات