حتى موعد نهائي كأس العالم بين البرازيل وإيطاليا عام 1994 في بلاد العم سام.. لم تكن قاعدة الموت واقفا قد دخلت الخدمة في ملاعب كرة القدم..
الأحد - 21 يوليو 2024 - الساعة 12:20 ص بتوقيت العاصمة عدن
عدن "عدن سيتي" خاص _محمد العولقي
ظهيرة يوم حامي الوطيس على ملعب روز بول بكاليفورنيا..كان الإيطالي الأنيق روبرتو باجيو يسير وحيدا نحو حتفه..
مشاعر متضاربة سيطرت عليه وهو يتقدم نحو نقطة الجزاء..لا شيء يلتصق بالذاكرة أسوأ من جمهور تعداده 94 ألف يقفز أمامك ويتلاعب بأعصابك..
روبرتو باجيو لم يكن يعي بما حوله..عبء الركلة الترجيحية الأخيرة لا يطاق..أنفاسه كانت تتسارع بإيقاع صاخب..لقد سمع العالم من حوله طبول قلب يئن من هول المهمة الشاقة..
لم يكن الأمر ليأخذ كل هذا المنحى الدراماتيكي لو أن منفذ الركلة الأخيرة كان لاعبا غير روبرتو باجيو..
إنه قدرك يا روبرتو..
كان هذا النداء بالضبط هو آخر ما التقطته أذناه ظهيرة ذلك اليوم..لا يدري روبرتو على وجه الدقة من أين جاء مصدر الصوت..لكنه شعر وقتها بأعراض الموت واقفا..كانت قدماه متنملتين..هربت الدماء من وجهه..كان وجهه باردا يحاكي الموتى..كما لو أنه يختزن جرحا متعفنا..
في المرمى كان هناك الحارس البرازيلي الشهير تافاريل..حارس قدير لم تحظ البرازيل بمثله منذ سنوات طويلة عجاف..
هذا تفاريل تلا كل التعاويذ في ركلات الترجيح.. أحرق كل التمائم..والنتيجة إيطاليا أهدرت ركلتين عن طريق ماسارو وفرانكو باريزي..مقابل ركلة برازيلية ضائعة من سانتوس..
كانت ركلة باجيو الأخيرة مجرد رمق أخير.. تأجيل الموت الزؤام قليلا..أو تشييع مهيب إلى المثوى الأخير..
كان روماريو يضع يديه على قلبه يتلو شعارا دينيا ما..وكان على الخط المدرب الإيطالي أريغو ساكي يضع يده على قلبه.. آلام الصدر لا تطاق..وانتظار البلاء جحيم حقيقي..
باجيو يتقدم..يبدو شاردا..لا متوترا..لا محطما..لا ليس في وعيه..لا أدري لكن كل تلك اللاءات اجتمعت لتصنع مأساة انتهى الأمر ببطلها ميتا واقفا..
كل الهواجس في رأس باجيو.. أين يسدد..؟ كان هذا سؤال اللحظة..باجيو بدأ متجهما لا يستطيع ازدراد ريقه..و تفاريل كمن يخمن بدقة من يقرأ أفكار النابغة الإيطالي..
في آخر لحظة نفض روبرتو باجيو الكوابيس عن رأسه..التسديد إلى إحدى الزاويتين عمل لا يخلو من مخاطرة..ماذا حدث إذن ؟
باجيو.. ألقى خلف ظهره حل الزاويتين..قرر التصويب إلى المنتصف بقوة لكن إلى الأعلى لتفادي قدمي تافاريل..الحل راق له كثيرا..وهذا أيضا قدره الرمادي..لقد فعلها باريزي قبله وأخفق..
تقدم باجيو سدد كما قرر.. لكن لأن قدمه كانت مثخنة بكل الهواجس والكوابيس ارتفعت الكرة أعلى مما ينبغي..ذهبت كرته أدراج الرياح..
تفاريل جثا على ركبتيه ثم رفع سبابتي يديه إلى الأعلى..انتهى كل شيء..البرازيل بطلة للعالم..
باجيو تجمد في مكانه..فقط وضع يديه على خصره..حدق قليلا إلى الأرض..ثم تحول إلى جثة بلا مشاعر.. لا حركة.. لا همسة.. لا دمعة.. لا نفس..نزيف حاد همدت معه أنفاس باجيو تماما..
يا لها من لحظة هاربة من أجندة الزمن.. لحظة لا يستطيع هيتشكوك تصويرها..
حتى فرسان هوليوود اعترفوا..لا يمكن محاكاة لقطة باجيو و لو تم الاستعانة بكل الخدع السينمائية وبكل المؤثرات الصوتية..
محمد العولقي