ترى أين سعد الآن ..؟!!! ( من ذاكرة القلم ) قبل 40عاما..صحيفة "الثوري" 24مارس 1984م

الإثنين - 15 أبريل 2024 - الساعة 10:18 م بتوقيت العاصمة عدن

عدن " عدن سيتي " علي_صالح_الخلاقي





ترى أين سعد الآن؟!!!

(من ذاكرة القلم) قبل 40عاما

صحيفة "الثوري" 24مارس 1984

تعالوا نتعرف على سعد:
موهبة إبداعية تتفتح وتنمو في رحاب الإبداع العلمي
--------------
#علي_صالح_الخلاقي:

هذه دعوة مفتوحة لرحلة ممتعة ومثيرة وسريعة في عالم الابداع العلمي الذي يلجه شبابنا الفتي ، بخطوات واثقة، وعقول متفتحة ، تبشر نتاجاتها بالمستقبل المنشود الذي نحفر الدروب إليه في صميم الصخر، ونشيد مداميكه المتينة بالعرق والجهد والنضال المثابر.

ولربما تتساءل عزيزي القارئ عن مناسبة هذه الرحلة التـي ندعوك إليها على صفحات "الثوري"، وحتى لا تنتـابك مشاعـر الاستغراب أو العجب، إليك السبب الذي قادنا إلى هذه الرحلة الممتعة للتعرف على موهبة إبداعية شابة سنأتي على ذكرها بعد أن نتعرف على الحكاية التي أوصلتنا الى اكتشافها ..

والحكاية يرويها لنا كما وقعت الرفيق النائب السياسي لمستشفى الشهيد باصهيب الـذي اصطحبنا إلى أحد اقسام المستشفى حيث توجد آلة كبيرة وحديثـة هي الوحيدة من نوعها في الجمهورية تقوم بتعقيم الأدوات والمعدات الطبية اوتوماتيكيا، وقد أُدخلـت هذه الآلة للخدمة في المستشفى - كما يحدثنا النائب السياسي- خلال عام ١٩٨٢ بعد تركيبهـا وتشغيلها من قبل الخبراء الموفدين من قبل الشركة المنتجة، ولكنها وبعد فترة وجيزة على تشغيلهـا توقفت عن العمل، فتمت الاستعانة بالمهندسين والخبراء المحليين والاجانب العاملين في مستشفى الجمهورية ومصافي عدن الذيـن جاؤوا تباعاً وفي فترات متلاحقة لمحاولة اصلاح الآلة ولكن جهودهم لم تؤدِ الى أية نتيجة ، وبعـد تدارس الأمر مع إدارة الخدمـات الطبية في القوات المسلحة ونظراً لأهمية هذه الآلة التي انقضــى على توقفها عن العمل أكثر من عام، لم يكن هناك من خيـار سوى الاتصال بالشركة المصنعة لإيفاد مهندس مختص لإصلاحها بعد أن عجز عن ذلك كل المهندسين الذين استعنا بهم..
ومصادفـة جاء الرفيق رئيس القسـم السياسي في الوحدات الخاصة حاملاً إلينا اقتراحا بالاستفـادة من أحد المهندسين الشباب العاملين في المشاغل الفنية التابعة لإدارة الإسكان لتجريب إمكانية اصلاح الآلة، خاصة وانه قد سبق له ان نفذ بعض الأعمال الفنيـة الابداعية التي يستفاد منهـا حاليا في إدارته، ويواصل النائب السياسي للمستشفى سرد الحكاية قائلا :
في اليوم التالي، وتحديداً في الخامس من مارس الجاري وصل الينا المهندس الشـاب المساعد أول : سعد صالح حسین مفعماً بالحماس والثقة العالية فأنكب على العمل يومياً مـن الصباح الى المساء وبعد اسبوع كامل من العمل المتواصل توصـل الى النتيجة المطلوبة وتمكن من تشغيل الآلة، التي تعمـل الآن بصورة جيدة، وعلى الفور أبلغنا إدارة الخدمات الطبية بهذا النجاح الذي حققه سعد وأُلغي الاتصال بالشركة لاستجلاب المهندس الذي كان مقررا وصوله من الخارج.

ترى ما هو الخلل الذي اكتشفه سعد في الآلة والذي عجز عـن ادراكه كثير من المهندسين؟ وكيف استطاع ان يكتشفه وبالتالـي إصلاحه؟.

لمعرفة الإجابة عن هـذه التساؤلات كان علينا ان نغـادر مستشفى الشهيد باصهيب متجهين الى معسكر طارق حيث تقع المشاغل الفنية التي يعمـل فيها سعد، وكان برفقتنا أحـد ضباط القسم السياسي في الوحدات الخاصـة.

وفي مختلف المشاغل الفنيـة والانتاجية التي مررنا بها شاهدنا المهندسين والفنييـــن والعاملين المهرة من أفراد قواتنـا المسلحة موزعين بين الآلات التي يعلو هديرها وضجيج حركتها ببزاتهم الكاكية الملطخة بزيت المكائن وقطرات عرقهم النديــة التي تتصبب على جباههم وهـم يخوضون غمار العمل الشريـف ويديرون بكفاءة ومهارة الآلات والمشاغل التي تقع بين ايديهم وعلى سيمائهم ايضا ترى صورة المقاتل الشجاع الذي يسترخصـ دمه وحياته في سبيل عزة الوطن وانتصار مُثُل الثورة.

وبين هؤلاء المهندسين والعمال يذكر اسم المساعد أول سعد صالح حسين بكل تقدير واحترام كما يقول ذلك مدير إدارة الإسكان الذي اصطحبنا إلى القسم الذي يعمل فيه سعد كمشرف فني في الهندسة الكهربائية ، وقد وجدناه منهمكا في العمل..

وبعد الترحيـب والتعارف، ورداً على السؤال الذي حملناه أجاب سعد بثقة و اعتداد بالنفس قائلا :
- بعد ان أُسندت إليَّ مهمـة اصلاح هذه الآلة المعقدة والثمينة، قمت أولا بالتعرف على أجزائها ودراسة وظيفة وطبيعة عمل كل جزء، ثم تتبعت مراحل العمـل حسب ما هو محدد في المخطط التوضيحي، وبعد جهد متواصل اِمْتَد طيلة أسبوع كامل صباحـاً ومساءً توصلت الى معرفة مكمـن الخلل ووجدت ان هناك نوعين من الخلل الأول كهربائي في بعض الأجهزة الدقيقة والآخر وجـود تسرب في أنابيب البخار، وقـد عملت على اصلاحهما وعادت الآلة إلى العمل.

•جهازان للفحص•
_ واسأل سعد عن الأعمال الابداعية التي قام بتنفيذها والتي كنت قد سمعت عنها؟
وقبل ان يشرع في الرد، سبقه في الحديث مدير إدارة الإسكـان مشيراً الى جهازين وضعا علـى طاولة مستطيلة الشكل أحدهما داخل غلاف معدني والآخر فـي صندوق خشبي ، وكتب عليهما بخط عريض ، صنع الرقيب سعد صالح (كان حينها برتبة رقيب) ويستفاد منهما حاليا في عمـل قسم الفحص، وقد استفاد في تصميمهما، كما يقول مدير الإدارة، من أجهزة ومواد خردة مختلفة ولقي تشجيعا واهتماما من قبلنا..

وقد طلبت من سعد توضيح فكرة هذين الجهازين وطبيعة عملهمـا فبادر بالرد قائلا :
- فكرة هذين الجهازين جاءت من خلال اهتماماتي بالبرامـج العلمية التي أُهيم بمتابعتها. وقد نقلت الفكرة بعد استماعي إليها الى مخطط رسمته على الورق وتقدمت به الى الإدارة التي لقيت من قبلها الدعم والتشجيع نظـراً للحاجة الماسة لمثل هذه الأجهزة المتخصصة في الفحص في عمـل مشاغلنا الفنية. وبدأت أولا بتجميع بعض القطع والمواد التي سأستفيد منها ومعظمها أجهزة قديمة ومواد خردة إلى جانب توفير بعضـ القطع الجديدة.

وخلال عامي 79 / 1980م، تمكنت من استكمال تصنيع هذين الجهازين اللذين يتألف منهما الآن قسم الفحص والذي اُستحدث في المشاغل بعد نجاح عملي هـذا..

اما عن طبيعة عمل هذين الجهازين فيوضحه سعد بقوله :
•الجهاز الاول خاص بفحص الاجهزة الكهربائية بمختلف أنواعها والخاصة بالمولدات الكهربائيـة وأجهزة التكييف الهوائيــة، ويحتوي الجهاز على 35 دائـرة كهربائية يقوم بخمسة عشر نوعاً من الفحوصات المختلفة، بالإضافة الى ان الجهاز مزود بدائرة انذار صوتية تعمل عند حصول أي قصور في عمل الدوائر اثناء إجراء الفحص.

•أما الجهاز الثاني فيختص بفحص القطع الاوتوماتيكية والالكترونية الخاصة بالمولدات الكهربائية والتي يصعب فحصها بالمعدات التقليدية، وهو يعطي نتائج صحيحة ويحتوي على عشريـن دائـرة كهربائية مزودة بجهاز إنذار داخلي يعلن عن عدم صلاحية أية قطعـة من خلال إطلاق صوت صفير، بالإضافة الى تحديد موقع الخلل.

• وبعد ماذا يجب أن تعرفه عن سعد؟!.
بقي ان تعرف عزيزي القارئ ان سعدا شابٌ في مقتبل العمـر عمره اثنان وعشرون عاما، وقد التحق بالقوات المسلحة في عام 1975 ودخل مباشرة في دورة لمدة سنة في المدرسة الفنية التابعة لمشاغل إدارة الاسكان وتخصص في الكهرباء، ثم أُتيحت له فرصة الدراسة في المعهـد الفني لمدة عام واحد، وواصــل بجهده وتفانيه شق طريقه العلمي بنجاح وبخطوات واثقة ..

حيث أحرز النجاح في امتحانات الثانوية العامة القسم العلمي عن طريـق الانتساب وذلك في عام 1980 ، وعلى الفور انتسب بالمراسلة في معهد الشرق للعلوم التقنية بدمشـق خلال عامي 81م1982م ..

وحصل على شهادة الدبلوم بتقدير جيد جدا، وكان خلال فترة دراسته مثـالاً للإخلاص والتفاني في عمله، وهو يحظى بحب وتقدير واحترام كافة رفاقه الجنود والضباط والقادة وهو يطمح لمواصلة تأهيله العلمي العالي لكي يعطي الوطن اكثـر ويفيد قواتنا المسلحة في مجالات عمله الإبداعية.

ولا نشك في ان الجهات المعنية سوف تأخذ بيد هذه الموهبـة الإبداعية والطموحة، التي ستعطي الكثير مقابل شيء من الاهتمـام والرعايـة.

وقُبلة حب نطبعها على جبيـن المهندس الشاب المساعد أول : سعد صالح حسين وأمثاله مـن الشباب المبدع والمتحمس .

"الثوري"، 24 مارس 1984م ص 15

متعلقات