قصور تشريعي وتوصيات للمعالجة جرائم السحر والدجل والشعوذة!! (انموذجًا)

الأحد - 18 ديسمبر 2022 - الساعة 02:00 ص بتوقيت العاصمة عدن

عدن سيتي/ متابعات.





#اولا: تمهيد
- أن الجريمة والمجرم عندما لا يجدان قانون يردعهما، بالتأكيد ستتسبب فى نشر الفوضى والخراب؛ لمعرفة مرتكبيها بقدرتهم على الإفلات من العقاب، ويرجع سبب ذلك إلى حالة من الفراغ التشريعي لبعض الجرائم، الذي جاء القانون خاليا من توصيف لها. ومن هذة الجرائم، تتصدر جرائم السحر ومافي حكمها من شعوذة ودجل، كأحد الهواجس فى المنطقة العربية واليمن بشكل خاص.
- وظاهرة السحر ومافي حكمها، جريمة تعانى منها المجتمعات، لأنها تدمر البيت والأسرة، وهى من الملفات الشائكة التى يجب العودة إلى الاشتباك معها، ومواجهة تداعياتها الخطيرة على المجتمع.


- فأسرٌ تفككت، وأطفال تشردوا، وزوجات رُملن، وأزواج أصبحوا خاضعين خانعين للزوجات وأسرهن، وعروس تزف إلى غير الخاطب، وخاطب يجد نفسه أمام تمرد خطيبته، وكل هذا بسبب السحر، فأصبحت الشعوذة تجارة مباحة، تمارس في كل مكان، الى حد أنها اصبحت هي الحل الوحيد الذي يلجأ إليه بعض ضعاف النفوس؛ للنيل من شخصيات الآخرين وأغراضهم!
- والسحر يستخدم بشكل كبير فى اليمن، أو ما يطلق عليه "بالعمل"، وحتى الأن لم يتم التصدى له بشكل جدي وكاف، وظلت القوانين غافله عن معالجته، والتساؤل الذى يطرح نفسه هنا: ما موقف التشريع اليمني من ذلك؟ وهل وضعت نصوصا صريحة لتلك الجريمة؟! ولأهمية هذا الموضوع في مجتمعنا، وما تحدثه هذة الجرائم من ضرر بالغ؛ سنتعرف عليه في هذة الدراسه الموجزة.

#ثانيا: موقف الشريعة الاسلامية
١- حكم السحر: بلا شك أن السحر كفر بوحدانية الله، لأن حقيقة السحر هو تعبّد للشياطين أو للكواكب، أما النوع الثاني الذي هو من باب الشعوذة، فلا يكَّفر به أصلاً، لكنه معصية ومنكر عظيم، وينبغي أن نبتعد كلياً عن كل نشاط يتعلق بالسحر ومافي حكمه.
٢- حكم تعلم السحر: أتفق العلماء على أن تعلم السحر وتعليمه وممارسته حرام، إلا أن هناك خلاف في حكم من قام بهذا العمل، فذهب جمهور العلماء ومنهم (مالك وأبو حنيفة وأصحاب أحمد وغيرهم) إلى تكفيره، اما مذهب (الشافعي) فذهب إلى التفصيل، فإن كان في عمل الساحر ما يوجب الكفر، كُفر بذلك، وإلا لم يكفر.
٣- حكم الأعانه على السحر: من أعان غيره على منكرٍ -سحرا أو غيره-؛ فإنه شريك له في الإثم، ولكن لا يلزم أن يماثله في الإثم، فمن أعان ساحرًا على سحره؛ فإنه عاصٍ، ولا يلزم أن يماثله في الإثم، أو الحكم عليه بالكفر، كالحكم على الساحر إذا كفر بسحره.


٤- حكم عقوبة الساحر: أختلف الفقهاء في عقوبة الساحر، فذهب (الحنفية) إلى أن الساحر يقتل في حالين: الأول/ أن يكون سحره كفرا, والثاني/ إذا عرفت مزاولته للسحر، بما فيه إضرار وإفساد ولو بغير كفر. كذلك ذهب (المالكية) إلى قتل الساحر، لكن قالوا: إنما يقتل إذا حكم بكفره، وثبت عليه بالبينة لدى الإمام، اما مذهب (الحنابلة) فشددوا في حكمهم بالقول، أن الساحر يقتل حداً، ولو لم يقتل بسحره أحدا، لكنه لا يقتل إلا بشرطين: الأول/ أن يكون سحره مما يحكم بكونه كفرا، أو يعتقد إباحة السحر. والثاني/ أن يكون مسلماً، فإن كان ذميا لم يقتل؛ لأنه أقرَّ على شركه وهو أعظم من السحر؛ واستدلوا من رأى قتل الساحر بأنه مرتد، والمرتد كافر وحكمه القتل، لقوله "ص": (من بدل دينه فاقتلوه) اما عند (الشافعية) فإن كان سحر الساحر ليس من قبيل ما يكفر به، فهو فسق لا يقتل به، إلا إذا قتل أحداً بسحره عمداً، فإنه يقتل به قصاصاً لا حدًا.
* (وأميل) الى ترجيح رأي الشافعيه؛ طالما لم يبلغ الساحر بسحره الكفر، ولم يقتل به إنسانا؛ لدلالة النصوص القطعية، والإجماع على عصمة دماء المسلمين عامة إلا بدليل واضح، كما أن قتل الساحر الذي لم يكفر بسحره، لم يثبت فيه شيء عن النبي "ص"، والتجرؤ على دم مسلم من غير دليل صحيح من كتاب أو سنة غير ظاهر عندي، مع أن القول بقتله مطلقا قوي جدا؛ لفعل الصحابة له من غير نكير”. والعلم عند الله تعالى.

#ثالثا: موقف القوانين الوضعيه
ونتناوله في فرعين، نبين في الأول/ موقف القانون اليمني والقوانين العربية من هذة الجرائم، ونخصص الثاني/ لدراسة تأصيل وتحليل النص القانوني اليمني.
* الفرع الاول: موقف القانون اليمني والقوانين العربية:


القانون اليمني مثله مثل القله من القوانين العربية، التي لم تعاقب على هذة الجرائم، كالقانون المصري والعراقي، فيما عاقبت أغلبية القوانين على هذة الجرائم، كالنظام السعودي، والقوانين العقابية الاماراتية، والمغربية، والسودانيه، وقوانين دول الشام باكملها.. ولم يتطرق القانون اليمني لا من قريب ولا من بعيد لتلك الجرائم ، ولكن يمكن ضمّ جرائم السحر والشعوذة إلى جريمة النصب، تحت مبرر استخدام الساحر ومافي حكمه "احيانا"، وسائل خداع وتمويه؛ لغرض كسب المال، لذلك نصت المادة (310) من قانون الجرائم والعقوبات كالاتي: "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بالغرامة، من توصل بغير حق إلى الحصول على فائدة مادية لنفسه أو لغيرة، وذلك بالاستعانة بطرق احتيالية (نصب)، أو أتخذ أسم كاذب، أو صفه غير صحيحة".

* الفرع الثاني: دراسة تأصيل وتحليل النص اليمني:
يتضح من خلال النص المذكور، أن اوصاف الركن المادي في جريمة النصب والاحتيال، لاتنطبق على اعمال السحر والشعوذة والدجل، والتي تتعدد صورها واضرارها والدافع من ارتكابها، وذلك للمبررات الاتيه:
١- من حيث الركن الشرعي: المشرّع اليمني يجرّم فعل النصب بسبب الخداع لكسب المال، بينما تجريم السحر أساسه الشرعي، هو الادعاء بعلم الغيب، والتنبؤ والتكهن بالمستقبل.
٢- من حيث الدافع: تجريم النصب يكون بدافع مجرد، هو كسب المال أو المنفعه الذي يجنيها النصّاب من جراء فعله، بينما تجريم السحر لا يكون بقصد المال فحسب، بل من الممكن ارتكاب الجريمه بدون مقابل مادي.
٣- من حيث النتيجة الاجرامية: النتيجه في جريمة النصب، تكون على المال المملوك للمجني عليه، بينما النتيجة والضرر في جريمة السحر ومافي حكمها، يكون على الصحة البدنيه والنفسيه والعقليه للمجني عليه.


٤- من حيث المسؤولية الجنائية: في النصب المسؤولية تقتصر على النصّاب، أما جريمة السحر فالمسؤولية الجنائية والمدنية، ليست على الشخص القاصد للساحر فحسب، بل قد تشمل "احيانا" قيام القاصد للساحر باللجوء له للاضرار بشخص أخر، وهو ما يطلق عليه "بالمسحور".
٥- من حيث المساهمه بالجريمة: بعض جرائم السحر يكون الهدف منها، افقاد المجني عليهم لوعيهم وادراكهم وتميزهم لتصرفاتهم وافعالهم، ويترتب على ذلك احيانا، أن يرتكب المسحور جريمه بحق نفسه وصحته وماله، أو جريمة بحق نفس او صحة أو مال غيرة، كجرائم القتل والاعتداء والاغتصاب واتلاف الاموال ونحو ذلك… وتتحق معها المساهمه الاصلية للساحر في ارتكاب الجريمة، باعتباره فاعلا بالتسبب، أو فاعلا معنويا، كما ذكره القانون "فاعلا بالواسطه".
* وفي الاجمال:
فإن المؤيدين على أن الخدع والتمويه والخيال، عوامل مشتركة بين جريمتي النصب والسحر، استندوا في ذلك، لقول مذهب المعتزلة، والذين يرون (ومن جهة نظرهم)، أن تجريم السحر يصلح أن تنطبق عليه اركان تجريم النصب والاحتيال.. وفي (رأينا المتواضع)، أن هذا قول مردود عليه؛ لأن الرأي الراجح عند فقهاء الشريعه، بأن السحر في اغلبه حقيقه ثابته، وان القلّة منه توهم وخدع وخيال، وقد دلّ على ذلك قوله تعالى: (واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر… الخ) -الاية ١٠٢ من سورة البقرة- ونستدلّ من هذة الآية، أن الله أخبر فيها، أن للسحر آثاراً محسوسة، كالتفريق بين المرء وزوجه، وأن له ضرراً مباشرا – وما يحصل ذلك إلا بإذن الله – وهي آثار محسوسة، لا يمكن إنكارها، مما يدلّ على أن للسحر حقيقة ثابته، وليس مجرد خُدَع أو اوهام أو تخيلات.!! ومن هذا المنطلق، وللمبررات والحجج الشرعية القانونية السابق ذكرها، فمن غير المنطقي أن يتم تجريم اعمال السحر وما في حكمها باعتبارها جرائم نصب واحتيال!!

#رابعا: المقترحات والتوصيات
مما سبق ذكره من مبررات وحجج قانونية، تؤكد عدم صوابية انطباق اركان جريمة النصب على اركان جريمة السحر.. لذا نأمل ونتمنى ونهيب بالمشرع اليمني الى تعديل القانون، وذلك باضافة فصل خاص، لجرائم السحر وما في حكمها على أن ينص بالاتي:
١- نوصي على تحديد وضبط مفهوم السحر ومدلوله بشكل صريح على أنه: "كل قول أو فعل يقصد به الادعاء بعلم الغيب، أومعرفة الأسرار، أو إلأخبار عما فى الضمير بأى وسيلة كانت، وبهدف استغلال الشخص فى بدنه، أو قلبه، أوعقله، أو إرادته، بطريقة مباشرة أوغير مباشرة، حقيقه كانت أو تخيلا".
٢- من المستحسن، ذكر بعض أعمال السحر والشعوذة والدجل؛ لتوصيل مدلولها ومفهومها للقاضي مطبّق النص القانوني، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: "احتراف اعمال التكهن، والتنبؤ بالغيبيات، أو التنجيم، أو العرافه، أو مناداة الارواح، أو حفلات الزار، أو قرأة الكف أو الفنجان، أو نثر الودع، أو التنويم المغناطيسي بالاستعانة بالجان، أو تفسير الاحلام من غير العلماء الصالحين،". وفي الاجمال، أن تذكر بعض هذة الافعال على سبيل المثال لا الحصر، وتضاف في نهايتها عبارة "وكل الاعمال المتعلقة بالادعاء بأمور الغيب، والتي تندرج ضمن اعمال السحر والشعوذة والدجل".
٣- نشدد على أن يعاقب كل من ارتكب أعمال السحر والشعوذه، سواء كان ذلك حقيقة، أو عن طريق الخداع بمقابل مادى أو بدون مقابل، بعقوبة مشدده باعتبارها جريمة جسيمه لا يقل فيها الحبس عن ثلاث سنوات ولا يزيد عن عشر سنوات، والنص صراحة على عقوبة القصاص أو الدية أو الارش؛ اذا نتج عن ارتكاب الجريمة ما يقتضي ذلك".
٤- نهيب أن يعاقب القانون كل من جلب، أو أدخل إلى البلد، أو حاز، أو تصرف بأى نوع من أنواع التصرف فى كتب، أو طلاسم، أو مواد، أو أدوات مخصصة للسحر، أو الشعوذة، مع مصادرة تلك الاشياء والمواد المستعمله المضبوطة من الجريمة.
٥- ندعو أن يعاقب القانون، كل من روّج بأى وسيلة من الوسائل الاعلاميه، ومنها وسائل التواصل الاجتماعى، لأى عمل من أعمال السحر أو الشعوذة.
٦- نقترح بمعاقبة من تعلم وعلم اعمال السحر وما في حكمها، مع تعويض الشخص المضرور بعلاجه، وتشديد العقاب إن كان الجاني عائدًا في ارتكاب الجريمة.

#خامسا الخلاصه
إن الأعمال الناتجة عن السحر والشعوذة، تضرّ بالناس من جميع الشرائح، وتهدد حياتهم ومستقبلهم ومستقبل أسرهم، وتخرّب العلاقات الإجتماعية المبنية على التعايش السلمي والمحبة والإحترام المتبادل، فالساحر أو المشعوذ احيانا، يسلب أموال زواره بخدع متقنة، واحتيال مدروس ماكر، و يشترط القربان والهدايا والوليمة، وقد يستقبل مريضه أو مريضته في مكان محدد، و في زمن محدد أيضا، وينعزل بالنساء خاصة في غرف بدون محارم، مما قد يؤدي لارتكاب جرائم خطيرة، كالاغتصاب أو هتك العرض أو التحرش، وما شابه ذلك…
- ونختم حديثنا بالمقوله الشهيرة: "أن تجعل الإنسان يتعرف على الخطأ شيئ، وأن تجعله يفعل الصواب شيئ آخر"، ونحن هنا اردنا أن طرح قضية هامة، ربما تزعج البعض، لكنها ما زالت تزعج المجتمع اليمني سنوات طويلة، وربما اصبحت بمثابة "تقاليد وعادات وثقافة"؛ من كثر تكرارها وتجذرها في المجتمع، دون أن تتخذ ضدها العقوبات القانونية الرادعة، فهل أن الاوان لوقف حد ارتكاب مثل هذة الجرائم؟!
- واخر كلامنا ما قاله المولى تبارك وتعالى: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ). وقوله عزّ وجل: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ). وقوله (ص): "أعوذ بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين ولامة". والله اعلم وهو الموفق للصواب.

صالح عبدالله المرفدي
قاض محكمة نقض
دكتوراه القانون الجنائي.

متعلقات