الإثنين-01 ديسمبر - 08:54 ص-مدينة عدن

من ردفان الى عدن.. شعلة نوفمبر تتقد من جديد

الإثنين - 01 ديسمبر 2025 - الساعة 07:29 ص بتوقيت العاصمة عدن

عدن " عدن سيتي " تقرير : اسكندر الحميدي





من ردفان الى عدن.. شعلة نوفمبر تتقد من جديد


في مثل هذا اليوم من كل عام، تتجدد في الوجدان الجنوبي روح الفخر والانتماء، وتعود إلى الذاكرة تلك اللحظة التاريخية التي انبلج فيها فجر الـ30 من نوفمبر 1967م، يوم أعلن الجنوب العربي استقلاله الكامل، وطويت صفحة استعمار دام أكثر من 129 عاماً، كان ذلك اليوم المجيد ثمرة نضال طويل قادته ثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963م، الثورة التي فجّرها الأحرار من جبال ردفان الشامخة لتتحول إلى نارٍ تحرق الاستعمار وتضيء طريق الحرية والسيادة.

لم تكن ثورة أكتوبر حدثاً عابراً أو انتفاضة محدودة، بل كانت ثورة شاملة حملت في جوهرها مشروع تحرر وطني عميق الجذور، تشكلت قواها من مختلف فئات الشعب الجنوبي: مناضلون في الجبال، وعمال في الموانئ، وطلاب ومثقفون، وضباط وجنود في الجيش الاتحادي انحازوا لقضية وطنهم. لقد كانت ثورة الوعي والكرامة والرفض لكل أشكال التبعية، واستطاعت عبر سنوات من النضال المسلح والمقاومة الشعبية أن تفرض إرادتها على المستعمر البريطاني وتنتزع منه الاعتراف باستقلال الجنوب في مفاوضات جنيف، ليرتفع علم الوطن خفاقاً فوق سماء عدن، معلناً ميلاد دولة الجنوب المستقلة.

وبعد الاستقلال، دشّن الجنوب مرحلة جديدة من تاريخه الحديث، تمثلت في بناء مؤسسات الدولة الوطنية على أسس علمية حديثة، وفي مقدمتها المؤسستان العسكرية والأمنية. فقد أدركت القيادة السياسية آنذاك أن صون الاستقلال وحماية السيادة يتطلبان جيشاً وطنياً قوياً وشرطة حديثة وانضباطاً مؤسسياً يواكب متطلبات المرحلة. فتم إنشاء الكلية العسكرية وكلية الشرطة، والمدارس والمعاهد العسكرية التخصصية، ومراكز التدريب في العند وغيرها، كما تم تأهيل الآلاف من الضباط والكوادر في الداخل والخارج.

وخلال فترة وجيزة، تمكن الجنوب من بناء جيش وطني محترف جمع بين روح جيش التحرير الثوري وبين التنظيم والاحترافية التي ورثها عن الجيش النظامي السابق. جيشٌ تميز بانضباطه وصلابته وإخلاصه لقضيته الوطنية، حتى صار مضرب المثل في الكفاءة والانضباط في المنطقة، وكانت عقيدته العسكرية راسخة في الدفاع عن الوطن والذود عن السيادة، لا خدمة الأفراد أو الأنظمة. لقد كان جيشاً يجمع بين الخدمة الإلزامية التي ربطت أبناء الجنوب جميعاً بمسؤولية الدفاع عن الوطن، والخدمة الاحترافية التي طوّرت الأداء ورفعت من مستوى الكفاءة القتالية.

غير أن هذا المسار الوطني لم يخلُ من التحديات والمؤامرات. فالتدخلات الإقليمية واليمنية تحديداً، ومحاولات إضعاف مؤسسات الجنوب وتشويه تجربته، كان لها أثر بالغ في ضرب وحدة الصف الوطني وإرباك مسيرة البناء. ومع ذلك، ظل الجيش الجنوبي على مدى العقود الماضية سور الوطن المنيع الذي تحطمت عليه مشاريع الهيمنة والوصاية.

وعلى الرغم من المنعطفات الصعبة التي مرّ بها الجنوب، فإن إرث نوفمبر ظل متقداً في الوجدان، يشكل أساساً لكل معركة يخوضها أبناء الجنوب دفاعاً عن وجودهم وهويتهم. واليوم، حين ننظر إلى قواتنا المسلحة الجنوبية وهي تخوض غمار المعارك ضد المليشيات الحوثية والجماعات الإرهابية، فإننا نرى الامتداد الطبيعي لذلك الجيل الذي فجّر ثورتي أكتوبر ونوفمبر.
قواتنا المسلحة الجنوبية المعاصرة هي الوريث الشرعي لتلك المدرسة الوطنية، فهي التي وُلدت من رحم المعركة، وتشربت قيم التضحية والولاء، وتمضي بثبات في حماية الأرض والعرض والسيادة، وفي بناء قدراتها التنظيمية والميدانية والعقائدية بما يليق بمكانة الجنوب وتاريخه العسكري المجيد.

وفي سياق التحديات الجديدة التي يواجهها الجنوب، يبرز الإعلام العسكري كأحد أهم أدوات المعركة الحديثة. لم يعد الإعلام مجرد وسيلة نقل أخبار، بل أصبح جبهة متقدمة في الدفاع عن الوعي الجمعي، وحماية الجبهة الداخلية من الحرب النفسية والدعاية المعادية. ومن هنا تبرز أهمية الالتزام بالضوابط المهنية والوطنية في تناول المعلومات العسكرية، لأن التساهل أو التسرع في نشرها قد يخدم الأعداء ويعرّض حياة المقاتلين للخطر. الإعلام العسكري هو علم وفن ومسؤولية، لا مجال فيه للاجتهاد أو العشوائية، بل هو جزء لا يتجزأ من منظومة الدفاع الوطني.

إن ذكرى نوفمبر المجيد ليست مجرد احتفال عابر في الروزنامة الوطنية، بل هي محطة لتجديد العهد والولاء لدماء الشهداء الذين كتبوا بدمائهم فجر الاستقلال، وللقيم التي قامت عليها ثورة الجنوب: الحرية، والسيادة، والكرامة، والوحدة الوطنية، إنها دعوة لاستلهام الدروس من الماضي لبناء الحاضر وصياغة المستقبل، بروح نوفمبر التي لا تموت.

ففي كل جبهة من جبهات الجنوب، وفي كل موقعٍ يرفع فيه جندي جنوبي راية الوطن، تتجلى روح نوفمبر التي لا تعرف الانكسار. وفي كل انتصار يحققه الجنوب اليوم، يُعاد إحياء تلك اللحظة الخالدة التي سقطت فيها آخر راية للمستعمر وارتفعت راية الحرية والسيادة.

المجد والخلود لشهداء الحرية، والعزة والكرامة للجنوب الذي لا يساوم على سيادته، والنصر حليف كل من سار على درب نوفمبر المجيد.

Khaled Ahmed

اسكندر الحميدي

متعلقات