القبيلة تقتل الدولة.

الخميس - 06 نوفمبر 2025 - الساعة 10:41 م بتوقيت العاصمة عدن

" عدن سيتي " زكريا نمر : متابعات







القبيلة تقتل الدولة.

القبيلة لم تعد هوية فقط بل نظام حكم ظل ينهش جسد الدولة. حين يتحول الانتماء الضيق الى معيار لكل شيء من التعيين الى العقد الامني والاقتصادي تصبح الدولة مجرد واجهة تخفي نهبا منظما وتقاسما فاسدا للثروات. المسؤولون يعيّنون اقاربهم واصدقائهم ليضمنوا الولاء لا الخدمة، فيصير الكفاءة بلا قيمة بينما المواطن يغرق في انتظار حقوقه المسروقة.

الوظائف تحولت الى غنيمة ادارات حكومية ومستشفيات ومدارس تعمل بعقليات عشائرية، المؤسسات تتعطل لان المناصب تعطى لمن يملك اسم القبيلة لا لمن يملك مؤهلات يظهر نظام الجنود الوهميين والرواتب المسروقة والموظفون الذين لا يأتون الا ليملأوا جيوب شبكة ولاءات. النتيجة فساد مؤسساتي متجذر وخدمات عمومية مهترئة. الاقتصاد مرآة الفساد القبلي. العقود والمناقصات توزع طبقا لخرائط الولاء، الاراضي تختزل الى ممتلكات لعائلات نافذة، والمشاريع الوطنية تتحول الى شركات خاصة بواجهة حكومية. ريع الدولة يصبح ثروة نخبة ضيقة تبني بها امبراطوريات شخصية بينما الشعب يقايض لقمة عيشه بولاءات زائفة.

القوات الامنية ليست استثناء بل الأداة الاكثر خطورة. حين تهيمن الولاءات على الشرطة والجيش والمخابرات تصبح السلاح لحماية الامتيازات لا لحماية المواطنين. القمع يبرمج كسياسة عامة، والمواطن الذي يجرؤ يواجه الخطر ليس بمحض القانون بل بمحض المصالح القبلية. العدالة تختفي عندما تصبح المحاكم مرآة للولاءات. ما ينتج عن ذلك هو مجتمع مجروح بنى تحتية تنهار لان الاشخاص غير المؤهلين يديرون المشاريع، شباب يهاجر وييأس لان الاجتهاد لا يكافأ، والعدالة الاجتماعية تختفي تحت ركام المحسوبية. الانقسام يصبح نمطا معياريا والعنف يحتضن الفجوات التي تتركها الدولة الضعيفة.

الاسباب ليست غامضة غياب مؤسسات مستقلة، افلات النخبة من العقاب، ثقافة سياسية مبنية على الولاءات لا المصلحة العامة، واضعف من ذلك ارادة سياسية حقيقية للتغيير. الاصلاح ليس خيارا اخلاقيا فقط بل شرط بقاء. مطلوب ازالة الولاءات عن مفاصل التعيين، فرض شفافية على الاموال والعقود، فصل الاجهزة الامنية عن محميات القبائل، واستقلالية قضاء يمكنه ان يضع حد الافلات من العقاب. لا اصلاح نظري بل اجراءات عملية وحازمة جداول توظيف علنية، لجان رقابة مستقلة بحق حقيقي في التحقيق، عقوبات صارمة على من حوّلوا الدولة الى ملكية خاصة، برامج تعليم ومدنية تعيد بناء المواطنة فوق الانتماءات الضيقة. كل تأخير يعني مزيدا من النهب ومزيدا من الانقسام الذي قد لا يلتئم بسهولة. اذا لم نستعرض الامر بصرامة ونقاطع منبعه، فان الدولة ستستمر في التحلل تحت وطأة ولاءات لا تنتج سوى ظلام اجتماعي. حان وقت اعلاء المصلحة العامة على المصالح القبلية، ووقت محاسبة من سرقوا المستقبل لكي نعيد للدولة وجهها وانسانيتها.

#زكريا_نمر

متعلقات