المركز الثقافي اليمني بالقاهرة يحتضن حفل مناقشة وتوقيع كتاب «الجيوبوليتكا المندبية» للدكتور علي البكالي

الخميس - 30 أكتوبر 2025 - الساعة 10:14 م بتوقيت العاصمة عدن

القاهرة"عدن سيتي"خاص



في أمسية فكرية وثقافية متميزة، احتضن المركز الثقافي اليمني بالقاهرة، اليوم، حفل مناقشة وتوقيع كتاب «الجيوبوليتكا المندبية» للدكتور علي البكالي، بحضور نخبة من الأكاديميين والمفكرين والباحثين والمهتمين بالشأن السياسي والفكري العربي، وقد شكّل الحدث نافذة جديدة للحوار حول الفكر الجيوبوليتكي المعاصر ورؤية جديدة لموقع اليمن والجزيرة العربية في الجغرافيا الدولية.

استُهل الحفل بكلمة ترحيبية للأستاذ منير طلال، مدير الجلسة، رحّب فيها بالحضور، مشيدًا بجهود الدكتور البكالي في إنتاج عمل فكري نوعي يسعى إلى إعادة قراءة العلاقة بين الجغرافيا والسياسة في ضوء التحولات العالمية المتسارعة، مؤكداً أن الكتاب يُعد إضافة نوعية للمكتبة العربية، حيث يمزج بين الفكر الفلسفي والوعي الجغرافي في إطار رؤية حضارية تسعى لإعادة بناء الإدراك الوطني والإنساني.

وأشار "طلال" إلى أن الإصدار يتجاوز حدود الطرح الأكاديمي الضيق إلى فضاء فلسفي أوسع، يربط بين الفكر والمكان والهوية والمصير المشترك، مشيراً إلى أن “الجيوبوليتكا المندبية” تمثل محاولة فكرية جريئة لإعادة تعريف مفهوم القوة من منظورٍ جغرافي وإنساني في آنٍ واحد.

من جانبه، قدّم الدكتور علي البكالي عرضًا لأبرز محاور كتابه، موضحًا أن “الجيوبوليتكا المندبية” ليست مجرد دراسة نظرية في العلاقات الدولية، بل هي رؤية شاملة لفهم قوانين الحضارة ودورة الزمن ودور الموقع الجغرافي في صناعة القوة، موضحاً أن الكتاب يتألف من سبعة فصول تعالج المفهوم وأُسسه ومدلولاته التاريخية والجغرافية، وتسلّط الضوء على دور المكان في تشكيل مسار الحضارات وصراعاتها.

وقال "إن العالم يشهد تحولات كبرى مع بداية مرحلة “شيخوخة الإمبراطورية الأمريكية” وصعود نجم الصين وتبدّل موازين القوى، مؤكداً أن الحضارة الإنسانية تخضع لدورة زمنية كونية تحكمها الجغرافيا والموارد والإرادة السياسية، لافتًا إلى أن باب المندب ومضيق جبل طارق يمثلان “نقطتي السيادة الحضارية” في الجغرافيا العالمية، فهما يختزلان صراع القوة بين الشرق والغرب منذ فجر التاريخ، ويشكلان محوراً حيوياً للتجارة والطاقة والسيطرة البحرية.

وبيّن الدكتور "البكالي" أن الجيوبوليتكا المندبية تسعى إلى إعادة تعريف العلاقة بين الجغرافيا والسياسة من منظور يجعل الجغرافيا أداةً لبناء القوة لا مجرد إطارٍ مكاني، مؤكداً أن الفهم العميق للجغرافيا البحرية يماثل في أهميته التفوق البري والجوي للدول الكبرى.

وفي تحليله لموقع الجزيرة العربية، اعتبر "البكالي" أنها تمثل قلب “الجيوبوليتكا المندبية”، موضحًا أن العلاقة بين اليمن والسعودية ليست مجرد تفاعل حدودي بل تكامل وجودي، داعيًا إلى إقامة اتحاد تنسيقي إقليمي بين البلدين يعزز الأمن المشترك وينهي الانقلاب في اليمن ويطلق مرحلة جديدة من الاستقرار والنماء في المنطقة.

وفي المداخلة النقدية الأولى، أكد الدكتور محمد الحميري أن كتاب “الجيوبوليتكا المندبية” للدكتور علي البكالي يمثل منجزًا فكريًا عميقًا لباحثٍ سياسيٍ متمرس استطاع أن يُعيد تعريف المفاهيم الجيوبوليتكية بعيون عربية، مقدماً رؤية تحليلية جديدة تمزج بين الفلسفة والتاريخ والسياسة.

وأوضح "الحميري" أن الإصدار يقرأ الواقع المعاصر عبر إسقاط مضامين التاريخ على الحاضر، لبناء تصورٍ مستقبليٍ أكثر وضوحًا حول التحولات العالمية وموقع العرب في خريطة القوة الجديدة، مضيفاً أن الكتاب يُبرز الأهمية الاستراتيجية لموقع اليمن في الإقليم والعالم، باعتباره نقطة تماسٍ بين مصالح القوى الكبرى، مشيراً إلى أن مفهوم القوة تغيّر جذرياً منذ الحربين العالميتين، وأن النظام الدولي يعيش مرحلة صراع لإعادة توزيع النفوذ والمصالح.

وفي مداخلته، تطرق الدكتور محمود الحسني إلى التحولات في موازين القوة الدولية، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة رغم تفوقها العسكري تواجه تحديات متصاعدة من الصين وروسيا، لافتًا إلى أن منطقة باب المندب أصبحت ساحة صراع جيوسياسي محتدم تتقاطع فيها المصالح الدولية الكبرى.

وبيّن "الحسني" أن الممر يمثل اليوم أحد أكثر النقاط سخونة في ميزان القوى العالمي، حيث تتواجد الأساطيل الأمريكية والقواعد الصينية في مواجهة غير معلنة، مما يجعل الموقع اليمني محوراً رئيسياً في معادلة الأمن البحري، مؤكداً أن الكتاب يعرض بوضوح كيف استخدمت الولايات المتحدة أدواتها الاقتصادية والعسكرية لحماية مصالحها في الممرات البحرية، ومنع تهديد مليشيا الحوثي لحركة السفن في البحر الأحمر، وهو ما يبرز دور اليمن الجغرافي في استقرار التجارة الدولية.

أما الدكتور محمود الدبيلي، فقد وصف إصدار الدكتور البكالي بأنه يمثل تحولًا نوعيًا في مقاربة الفكر الجيوبوليتكي العربي، معتبراً أنه أول محاولة عربية جادة لتأسيس نظرية جيوبوليتية من الجنوب، تستعيد للعقل العربي دوره كمنتج للمعرفة لا تابعٍ لها، موضحاً أن الكتاب يسعى إلى إعادة التوازن في الوعي من خلال بناء رؤية تنطلق من الجنوب العالمي، وتحرّر الفكر من هيمنة المركز الغربي، عبر توظيف العمق الثقافي والتاريخي كمنطلق لتجديد مفاهيم المكان والسيادة والقوة.

ورأى "الدبيلي" أن المشروع الذي يقدّمه البكالي يقوم على ربط البعد المكاني في التحليل السياسي بالبعد الأخلاقي في الوعي الإنساني، بما يجعل النظرية جسراً بين الجغرافيا والقيم، والسياسة والأخلاق في إدارة العلاقات الدولية، مشدداً على أن الكتاب لا يكتفي بالنقد، بل يقدّم مشروعًا تأصيليًا من داخل التجربة الحضارية العربية، داعياً إلى إسناده بدراسات بحثية وميدانية تضمن تطوير أدواته وتعميق أثره العلمي والفكري في الأوساط الأكاديمية.

واختتم الحفل بتوقيع الدكتور علي البكالي لنسخ من كتابه الجديد للحاضرين، وسط تفاعل واسع من الجمهور الذي اعتبر الإصدار محطة فكرية مهمة تفتح آفاقاً جديدة أمام الباحثين في مجالات الجغرافيا السياسية والتحولات الدولية، وتعيد الاعتبار لدور اليمن والجزيرة العربية في معادلة الحضارة والمستقبل.

متعلقات