حين يقارن "سام الغباري" بين "عمرو البيض وعبدالملك الحوثي"

الجمعة - 24 أكتوبر 2025 - الساعة 06:48 ص بتوقيت العاصمة عدن

تقرير "عدن سيتي" صالح ابوعوذل





تابعتُ ما كتبه الزميل الصحافي اليمني سام الغُباري حول الرئيس علي سالم البيض، عبر بوابة نجله عمرو البيض.
وللأمانة، لست هنا بصدد الدفاع عن عمرو البيض، إذ لا تربطني به سوى علاقة طيبة، وربما مصير وطني مشترك. والأمر نفسه ينطبق على الرئيس البيض، الذي لم أكن يومًا محسوبًا عليه، بل كنتُ في أوقات كثيرة على النقيض من التيار الحراكي الذي قاده.
ما أكتبه هنا ليس تبريرًا ولا انحيازًا، بل هو رأي موضوعي أراه أقرب إلى الإنصاف لشخصيةٍ سياسيةٍ لم يعد لها اليوم أي دورٍ يمكن أن يُثير الجدل أو يستدعي الهجوم.
أما عمرو البيض، فهو سياسي جنوبي شاب، له احترامه وتقديره على المستويين الشخصي والوطني. علاقتي به ودّية، وان كان آخر لقاء جمعنا في مدينة المكلا منتصف عام 2023م.
زعم الزميل سام الغباري أن "عمرو البيض" يتحرّك بدافع الانتقام لإخراج والده من السلطة. وإن صحّ ذلك – على سبيل الجدل – فأين المشكلة؟
الرجل، أي والده، دخل مشروع الوحدة بأحلام كبيرة وطموحات وطنية صادقة، ثم تعرّض لخيانةٍ سياسيةٍ موثّقة. فهل يُلام الابن إن شعر بالمرارة تجاه تلك الخيانة؟
إن لم يغضب عمرو لوالده، فهو "ابنٌ بلا إحساس"، وإن لم يغضب الجنوبيون للخيانة التي طالتهم، فهم شعب بلا ذاكرة. فالقضية ليست نزقًا شخصيًا، بل ردّ فعلٍ طبيعيٍّ على خيانة تاريخية كبيرة، تعرّض لها رجلٌ ارتضى أن يكون "نائبًا"، وأن تكون صنعاء عاصمة بدلاً من عدن.
ما نرفضه حقًّا هو مقارنة "عمرو البيض بعبدالملك الحوثي".. تلك مقارنةٌ مجحفة ومسيئة، لا تليق بصحافيٍ كالغُباري، المعروف بمناهضته للمشروع السلالي الحوثي.
فشتّان بين مشروعٍ وطني جنوبي يسعى لاستعادة هويةٍ وطنيةٍ ويقف على أرضية صلبة لقضيةٍ عادلة، وبين مشروعٍ كهنوتيٍّ طائفيٍّ يقوم على "الحق الإلهي في الحكم".
يُحسب للرئيس علي سالم البيض أنه كان أول من أعلن تأييده لعاصفة الحزم، قبل أحد عشر يومًا من صدور بيان التأييد المشترك لبقية القوى السياسية، ذلك البيان الركيك لغويًا وإملائيًا، وكأن كُتّابه لم يألوا جهدًا حتى في التدقيق اللغوي، فكيف في الموقف الوطني؟
أما حديث الغباري عن “نفي الهوية اليمنية”، فليس دقيقًا ولا منصفًا.
لم ينفِ عمرو البيض هوية الشعب في هذه الأرض، بل رفض فرض هويةٍ سياسيةٍ مصطنعة أُريد منها تذويب الجنوب في سرديةٍ يمنيةٍ مركزية.
فـ"اليمننة" ليست كتابًا مقدسًا، بل مفهوم سياسي حديث صاغته نخب الحكم بعد ثورة سبتمبر، ربما للتخلص من "المملكة المتوكلية الهاشمية"، التي لم تعترف باليمن "هوية سياسية"
أما الحضارات والممالك التي نشأت على هذه الأرض – من سبأ وحِمير إلى حضرموت وقتبان– فلم تعرف هذه التسمية إلا في العقود الأخيرة، قبل قيام ما سُمّي بـ"الجمهورية العربية اليمنية" في مطلع ستينيات القرن الماضي.
حديث الحوثيين يختلف تمامًا عن حديث الجنوبيين.
فإذا أراد الزميل سام الغباري – وهو صديق عزيز – أن يرفع شعار "الوحدة أو الموت"، فعليه أن يكون أكثر وضوحًا من ذلك، لا مشروعية للحوثي في اجتياح المدن وسلب اليمنيين أرضهم وثرواتهم، فهذه جماعة سلالية جاءت من جبال "حوث" في أعالي صعدة، لا حقّ لها حتى في حرف سفيان، ناهيك عن عمران وصنعاء وصولًا إلى الزاهر في البيضاء.
تلك أرضُ شعبٍ حرٍّ يرفض الضيم والضم والإلحاق.
وهل يُعقل أن يضع صحافي بحجم سام الغباري قضية الجنوب – بكل أبعادها السياسية والهوياتية والوطنية والاقتصادية – في مقارنةٍ مع جماعةٍ عنصريةٍ سلاليةٍ تحكم اليوم ثلاثة أرباع اليمنيين بالحديد والنار؟.. إنها مقارنةٌ تُسيء إليك يا صديقي قبل أن تُسيء إلى الرئيس علي سالم البيض أو إلى أسرته.
أما قولك إن عمرو البيض يرى نفسه ابن الرئيس الذي خرج مظلومًا من السلطة، فذلك قول لا دليل عليه.
لم نسمع عمرو يتحدث بهذه النبرة أو يُظهر ما يوحي بها في أي من تصريحاته.
أما بالنسبة لأبناء الرئيس عبدربه منصور هادي، فعلى الرغم من خلافي الشديد معهم ومع طريقة إدارتهم لمكتب الرئيس السابق، إلا أنهم اليوم خارج السلطة تمامًا، ولا يملكون شيئًا يُقارن بما يملكه أبناء الدكتور رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي الحالي، الذين يمتلكون امتيازات واسعة وحقولًا نفطية في شبوة وحضرموت.
وهنا يجب أن تكون منصفًا ودقيقًا في عرض الحقائق.
الجنوبيون، بطبيعتهم، ليسوا شعبًا يمكن زرع الكراهية في نفوسهم.
إنهم شعب متسامح إلى حدٍّ بعيد، نقيٌّ في تعامله، صادق في تحالفاته، مهما كانت.
ولك في العميد طارق صالح مثالٌ واضح؛ فالرجل الذي شارك الحوثيين يومًا في اجتياح الجنوب، هو نفسه اليوم في تحالفٍ علني مع المجلس الانتقالي الجنوبي، طالما أن هدفه استعادة صنعاء من قبضة الجماعة السلالية.
تلك هي السياسة: لا عداوات دائمة ولا صداقات مستمرة، فكل شيءٍ يتغير بتغيّر الأحداث وخارطة التحالفات.
دعني أسألك يا سام:
ماذا لو أن الجنوبيين هم من اجتاحوا صنعاء عام 1994م؟
هل كنت ستدعو حينها إلى زرع الكراهية ضدهم حتى يتخلّص اليمنيون من "الاحتلال الجنوبي"؟
إن الجنوب هو من تعرّض للاجتياح، لا العكس، بل كان ذلك الاحتلال من أبشع ما عرفه التاريخ في ممارساته وطمسه وتدميره لكل ما في هذه الأرض.
لقد تعامل الرئيس علي سالم البيض حتى اللحظة الأخيرة بصبرٍ وحكمة.
كان بإمكانه أن يفجّر الوضع في صنعاء، لكنه ظلّ يقول: "الوحدة أهم من أي خلاف سياسي."
بل إنه تنازل عن دماء أقرب الناس إليه حين قال في لحظة توقيع وثيقة العهد والاتفاق:
"إن الوحدة أغلى من كل الدماء التي اغتالتها يد الإرهاب في صنعاء."
وإذا قال "الوحدة أو الموت"، فذلك يُحسب له لا عليه.. فالرجل كان وحدويًّا حتى 21 مايو 1994م، ولم يتخذ أي موقفٍ ضد مشروع الوحدة إلا بعد إعلان الحرب في 27 أبريل من العام ذاته، اما الوحدة فهي لم تتحقق وقتل مشروعها في المهد.
لم يهزم البيض نفسه كما تزعم، بل كانت الهزيمة نتيجة تراكماتٍ وخياناتٍ كثيرة.
ومع ذلك، استطاع الجنوب أن يلملم أوراقه من جديد، وأن يمتصّ الهزيمة، حتى خرج في 7 يوليو 2007م، وفي ذكرى احتلال عدن، ليهتف بصوتٍ واحد:
"لا عاد أبا وحدة، ولا أنا وحدوي... قولي يساري أو من أصحاب اليمين."
علي عبدالله صالح لم يهزم الجنوب بالوحدة، بل بالإرهاب وبالتحالفات التي عقدها مع الإسلاميين، الذين عادوا لاحقًا وانتقموا منه وأزاحوه من السلطة باسم الحفاظ على "الوحدة اليمنية".
كان صالح يفاخر بأنه مهندس الوحدة الوحيد، لكنه كان ساذجًا في تحالفاته مع الإخوان المسلمين والأفغان العرب، إذ كانوا أول من أطاح به بعدما تمكنوا من بناء جيشٍ خاص بهم تحت مسمى الفرقة الأولى مدرع.
هل تتذكر حين "انشق اركان حرب الوحدة اليمنية علي محسن الأحمر"، وقال إن علي عبدالله صالح حكم الجنوب بـ"الاستعمار"، معتقدا ان الجنوبيين قد نسوا قائد الأفغان العرب والميليشيات القبلية في حرب صيف العام 1994م.
أما الحوثي، فلم يُهزم في أي معركة إلا في الجنوب.
حتى الانتكاسات التي مُني بها في جبال صعدة كانت على أيدي قواتٍ وقادةٍ جنوبيين.
اسأل عن العميد البطل ثابت جواس، ستحدثك كهوف مران عنه، وعن عمر العيسي، والوحيشي، ورجب، وغيرهم كثير.
لم يُهزم الحوثي إلا على يد الجنوبيين، في وقتٍ لم يكن لدى الجنوب جيشٌ منظم، ولا دعم سعودي، ولا وحدات ممولة كما هو الحال في الجيش الوطني في مأرب، الذي انسحبت منه سبعة ألوية من جبهة نهم بعد تلقيها توجيهاتٍ من الرئيس عبدربه منصور هادي لمساندة قوات المؤتمر الشعبي العام في معركة 2 ديسمبر 2017م.
يكتب عمرو البيض الرواية نفسها التي يكتبها "صالح أبوعوذل، رواية "الجنوب العربي"؛ وعلى فكرة، إن كنت ترى الجنوب "جهة"، فاليمن أيضًا جهة؛ بل إن المعنى ذاته – الجنوب واليمن – اتجاه لا هوية.
أما امتداح أولاد "صالح"، فهم اليوم في صفٍ نعتبره وطنيًا، في مواجهة جماعة سلالية عنصرية. وهذا يُحسب لهم لا عليهم، لأنهم تحرروا من إرث النظام السابق ومن طريقة إدارته للبلاد.
ورغم أن العميد طارق صالح يحتفظ بشيءٍ من البراغماتية في تعامله مع الإخوان المسلمين، إلا أنه يمتلك مشروعًا وطنيًا ورؤيةً سياسيةً واقعية، تمكن من خلالها من بناء تحالفٍ استراتيجي مع المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو تحالفٌ مشروطٌ بمواجهة الحوثيين، لا بالتوجه نحو "تحرير المحرر"، كما فعلت قوات "الجيش الوطني" في مأرب عام 2019م عندما اجتاحت شبوة بزعم البحث عن صنعاء عبر بوابة بئر علي.
يحسب للرئيس علي عبدالله صالح أنه مات واقفًا، وإلى جانبه جنوبي أصيل رفض أن يتخلى عنه، في حين فرّت قبائل الطوق التي طالما عاشت على نثريات الرئاسة اليمنية، وسلّمت صنعاء للحوثيين مرة أخرى.
لم يجد "صالح" إلى جواره سوى الجنوبي عارف الزوكا، الذي قضى معه في اللحظة نفسها.
تلك هي المفارقة التي يجب أن يتأملها كل من يكتب عن الجنوب ورجاله.
ولا يمكن لأي قوةٍ أن تسلب علي سالم البيض تاريخه، أو صبره، أو حكمته، أو محاولاته الصادقة – حتى بعد شهرٍ كاملٍ من القتال والاجتياح – للحفاظ على مشروع الوحدة السلمية.
لكنّ من رأى في الإسلاميين والأفغان العرب فرصةً للإطاحة بشريك الوحدة، وجد نفسه لاحقًا صيدةً طريدةً لأولئك أنفسهم، الذين أجبروه على تسليم السلطة، ثم خذلوه عندما كان يقاتل دفاعًا عن الجمهورية في مواجهة الملكية الجديدة.
نصيحتي لكل النخب السياسية والإعلامية اليمنية: لا تصنعوا العداء تجاه الجنوب، فهو اليوم الحليف الصادق والوحيد في طريق العودة إلى صنعاء – العاصمة التي أرادها علي سالم البيض عاصمةً لليمن الموحدة، لا عاصمةً لصالح والإخوان والأفغان العرب.

#صالح_أبوعوذل

متعلقات