الخميس-31 يوليو - 11:00 ص-مدينة عدن

قمة واشنطن حين يُستبعد السودان من نقاش مصيره… فلتكن الكلمة للسودانيين

الأربعاء - 30 يوليو 2025 - الساعة 03:11 م بتوقيت العاصمة عدن

"عدن سيتي "متابعات




الكاتب السوداني: مهدي داود الخليفة

كان من المقرر أن تنعقد في العاصمة الأميركية واشنطن، امس الثلاثاء 29 يوليو 2025, قمة سداسية دعا إليها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بمشاركة وزراء خارجية السعودية، الإمارات، و مصر بالإضافة الي دولة قطر و المملكة المتحدة وذلك لمناقشة مستقبل الحرب في السودان. ورغم تأجيل هذه القمة إلى أجل غير مسمّى، فإن مجرد التفكير في عقدها دون أي تمثيل سوداني رسمي أو مدني يعكس استخفافًا فاضحًا بسيادة السودان، ويمثّل نموذجًا صارخًا لعقلية الوصاية الدولية والإقليمية.

لكن هذا التأجيل – رغم أبعاده السياسية – يمنح السودانيين فرصة نادرة لاستعادة زمام المبادرة، وطرح رؤيتهم الوطنية من داخل الميدان، لا باعتبارهم متفرجين أو ضحايا، بل كأصحاب مشروع بديل، قادر على إنقاذ البلاد من الانهيار، وإعادة بناء الدولة على أسس مدنية ديمقراطية.

المبادرة الأمريكية فشلت منذ نشأتها في دعوة أي من الأطراف السودانية الرسمية أو المدنية. إذ لا القوات المسلحة السودانية (SAF) و لا الدعم السريع ولا القوى المدنية والمقاومة السياسية تم تمثيلها، مما يعكس قصورًا في فهم طبيعة الصراع السوداني، وتحويله إلى مجرد ملف إقليمي تُدار تسوياته في غرف مغلقة بعيدا عن اصحاب القضية مما لا يمكن تفسيره إلا كاستعلاء سياسي..

تبرز قمة واشنطن حول السلام في السودان كمحطة دعائية تهدف بالأساس إلى إعادة تقديم الرئيس دونالد ترامب في صورة “صانع السلام العالمي”، دون امتلاك اي فهم لجذور الأزمة السودانية المركبة و كذلك تاتي ضمن حملة انتخابية تسعى لاستثمار الأزمات الخارجية لأغراض داخلية. فبدل أن تكون المبادرة محاولة جادة لمعالجة جذور الأزمة السودانية المركّبة، ذات الأبعاد البنيوية والتاريخية، نجدها تُوظَّف كأداة لتسجيل نقاط دبلوماسية سريعة في سجلات الحملة الانتخابية و تلميع الرئيس الأمريكي كصانع سلام. للاسف إن توظيف دماء الشعوب في بازار الحملات الانتخابية الأمريكية أمر غير أخلاقي.

و كما أشار المحلل كاميرون هدسون، فإن الاداء الدبلوماسي الأمريكي الحالي يتميز بـ”الارتجالية”، ويفتقر إلى عمق التحضير والاستشارة مع خبراء السودان ومن الواضح أن:

الإدارة الحالية تعاني من نقص الخبراء والمتخصصين في الشأن السوداني بعد استبعاد عدد كبير من الدبلوماسيين المخضرمين نتيجة لتقليص الكوادر العاملة في وزارة الخارجية. مما ادي الي اضعاف اي فرصة لحلول مدروسة

اما نهج الصفقات deal-making approach التي يشتهر به ترامب، فيهدد بإنتاج تسويات مشوهة تُقصي المدنيين وتُكرّس هيمنة أمراء الحرب.

إن اقتصار تمثيل قمة واشنطن على اربعة دول عربية فقط—المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، دولة قطر وجمهورية مصر العربية—في غياب كامل لأي حضور إفريقي أو دولي متوازن، يُعد اختزالًا مخلًا بطبيعة الأزمة السودانية، وتكريسًا لانحيازٍ واضح في مسار الوساطة. فالدور المحوري للاتحاد الإفريقي، ومنظمة الإيغاد، و الامم المتحدة لطالما شكل عنصرًا مهمًا في محاولات حل النزاعات بالقارة، وغياب هذه المؤسسات في لحظة مفصلية كهذه يضع علامات استفهام كبرى حول طبيعة وأهداف المبادرة. إن تجاوز القارة الإفريقية، التي تُعد الإطار الإقليمي الطبيعي والمسؤول تاريخيًا عن الملف السوداني، لا يخدم السلام، بل يعمق من الارتياب الشعبي والسياسي و يُضعف من صدقية الوساطة.

من أخطر ما تُشير إليه هذه المبادرة أنها قد تتحول إلى منصة لشرعنة واقع الانقسام الذي فرضته الحرب، عبر دعم “حكومة تأسيس” في نيالا، بدلًا من دعم مشروع وطني جامع ينهي الحرب ويبني الدولة.

لذا، نقترح أن تُبنى أي مبادرة دولية على المرتكزات التالية:

ضمان وحدة السودان ورفض أي حلول تؤسس للتقسيم أو الحكم العسكري.
توسيع التمثيل ليشمل القوى المدنية الديمقراطية بكل أطيافها.
إشراك الاتحاد الإفريقي والإيغاد كمحاورين أساسيين لضمان الشرعية الإقليمية.
دمج ملف العدالة والمحاسبة في قلب التسوية السياسية.
تأسيس مرحلة انتقالية مدنية كاملة بإشراف دولي–أفريقي، تقود إلى انتخابات حرة.

تجاهل هذه الأسس لن يؤدي سوى إلى تعميق الأزمة، وتكرار سيناريوهات تفكيك الدولة السودانية.

خلافا على ما يروّجه دعاة الدكتاتوريات والأنظمة العسكرية، فإن القوى السياسية السودانية لم تكن في يوم من الأيام عاجزة عن طرح حلول او تقديم المبادرات. لقد لعبت هذه القوى أدوارًا محورية في الحفاظ على وحدة السودان، ودفعت –عبر تاريخها– أثمانًا باهظة دفاعًا عن الوطن والديمقراطية. والحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن السودان لم يعرف التفتت والانقسام إلا في ظل الأنظمة العسكرية، بينما ظل في فترات الحكم المدني متماسكًا، فاعلًا، ومؤثرًا في محيطه العربي والأفريقي و الدولي.

إن تغييب هذه القوى اليوم ليس ناتجًا عن ضعفها، بل عن إرادة سياسية إقصائية تسعى لفرض حلول فوقية. ومن هذا المنطلق، نؤكد أن أي مسار حقيقي للسلام الشامل والعادل لا يمكن أن يُبنى من دون إشراك القوى المدنية والسياسية الوطنية، باعتبارها صاحبة المصلحة والرؤية والمشروعية الأخلاقية والسياسية.

السودانيون –بخلاف ما يُروّج– ليسوا عاجزين عن تقديم مبادرات سياسية، بل تم إقصاؤهم عمدًا.

خارطة الطريق البديلة التي نقترحها تشمل:

تمثيل القوى المدنية والنسوية ولجان المقاومة في أي عملية تفاوض.
وساطة متعددة بقيادة إفريقية، تضم خبراء مدنيين من الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة.
إيقاف تصدير الذهب وتهريب السلاح، عبر رقابة دولية صارمة على الموارد التي تُغذّي الحرب.
استعادة سيادة القرار السوداني، ورفض كل أشكال الوصاية الإقليمية أو الدولية.
السودان اليوم يحتاج إلى عملية سياسية شاملة تعيد بناء الدولة على أسس جديدة، تراعي التنوع التاريخي والاجتماعي والسياسي، وتوقف مسلسل الدم والانهيار.

إن المبادرة الأمريكية الحالية –رغم ما قد تحمله من نوايا حسنة– تعاني من قصور بنيوي في فهم الواقع السوداني، ومن شأن المضي بها دون تعديل أن يزيد من تفكك الدولة ويعزز منطق التقسيم. . علينا، نحن السودانيين، أن نملأ هذا الفراغ الدولي بموقف وطني واضح:

لا سلام دون شراكة مدنية،

لا وحدة دون عدالة،

ولا مستقبل دون سيادة القرار السوداني.

ولْتكن الكلمة الأخيرة للسودانيين، لا لقاعة مغلقة في واشنطن، ولا لمنظومة تسويات تنسجها العواصم لصالح من يمسكون بالسلاح.

متعلقات