الذكرى الثالثة للفقد الغالي "الاعلامي صالح الحميدي"
الأحد - 06 يوليو 2025 - الساعة 07:55 ص بتوقيت العاصمة عدن
القاهرة " عدن سيتي " جمال حيدره
ثلاث سنوات مرت على رحيل أخي الحبيب صالح الحميدي وكيل وزارة الإعلام اليمنية..
ثلاث سنوات وأنت كما أنت بكامل مهابتك وعظمتك حاضرا في كل المواقف الحياتية والتفاصيل اليومية الصغيرة، استحضرك كلما انغرس في القلب رمح وكلما التمع في الأفق البعيد فرح، تنساب كنهر من الذكريات الجميلة والمواويل العتيقة، ونسائم الصباح العليلة..
لن أحدثك عن نفسي وما أصابها بعدك يا أخي فتلك نرجسية جاهدت كثيرا على التحرر منها دون جدوى، ذلك أن وسعك في الحب والطيبة يتجاوز ما في قلوب الملائكة، ونحن أولا وأخيرا بشر نعيش لأنفسنا خلافك.
سوف أحدثك عن خلدون وقد صار أبا يتابع نمو ريتال بكثير من الحب والحنان، وريم التي قاربت من إنهاء دراستها الجامعية، وعن ذو النون الذي ما يزال يبحث عن طريق إلى أمريكا أو كندا حيث تعيش أحلامه هناك، وعن ريام التي احتفلت قبل أيام بتخرّجها من الثانوية العامة، فيما يستمر زيدون في منازلة الفقد عقب كل عودة من المدرسة ولم يجد إجابة حاسمة عن أسباب غيابك.
زيدون طفل تتبرعم في عقله عبقرية كبيرة، ولا يمكن أن يمرر أي كلمة أو معلومة دون أن يفهمها بشكل عملي، طفل يرتدي نظارة ويفكر طويلا قبل أن يرد على أي سؤال، سألته عن أحلامه، فأخبرني أنه رأي في منامه كائنا فضائيا، ودار بينهما حديث طويل، كان سؤالي أكبر من عمره في زمن يعيش فيه الشباب بلا أحلام وبلا اوطان وبلا طموح، في حين كان رده فوق تصوري لتفكير طفل لم يتجاوز العاشرة.
هذا يعني أنه يفكر في فضاءات أوسع وعوالم أخرى هروبا من واقع لم يجد فيه إجابات حاسمة عن غياب أبيه، لم يجد تفسيرا بسيطا عن ما هية الموت، وأين يذهب الراحلون، وهذا سؤال تحتدم حوله مرويات الدين والعلم، ويمتد عبر الزمان إلى ما لا نهاية، ووحدهم السابقون من اكتشف الأسرار الكبرى.
ريام أنهت الثانوية العامة ولديها طموح كبير في إكمال دراستها في دولة أوروبية، وبفضل براعتها في اللغة الإنجليزية يمكن أن تدرك طموحها، ريام تحمل إصرارك ولا شيء في قواميسها اسمه مستحيل، لديها نظرة مختلفة للحياة، وتحرص أن تكون متفردة فيما تقدم عليه، أذهلتني في فكرة حفل التخرج بعد أن أقنعت عشرين طالبة في حفل تخرج غير تقليدي عكس رسالة وهدفا، قبل أن يكون فرحة عابرة.
تتسم ريام بشخصية مرحة ولا تطيق الكآبة، تبحث دائما عن منافذ للفرح، وتفاجئ عائلتها في المناسبات بالهدايا واللحظات الجميلة، تحب الخير وتفرح للناس وتساعدهم، وهذه جيناتك يا أخي الحبيب.
ذو النون أو كما كنت تسميه المدعمم بالله، قليل الشكوى ولا يسمح لأحد أن يلمح حزنه وفقده، قوي لدرجة اللا مبالة، مغامر إلى مستوى الجنون، خدوم ويحب أصحابه أكثر من نفسه، جدع ولا يمكن أن يتأخر في فرح أو ترح، يمتلك قدرات كبيرة في الإقناع، ولديه مجموعة كثيرة من المشاريع والأفكار لم ترى النور حتى الآن، لكن أكبر أحلامه الهجرة إلى كندا أو أمريكا، كيف ومتى، هذا سؤال بلا إجابة حتى الآن.
في آخر زيارة إلى القاهرة تعامل معي كصديق دون أي حواجز، كما كنت أتعامل معك، اطلعني على المشاريع التي فشلت، وآخرى قيد التفكير، ولعنت عجزي وظروفي التي حالت دون مساعدته.
ريم دلوعة أبيها تقترب من إكمال المشوار الجامعي بكثير من الرزانة، كثيرا ما كنتُ خائفا عليها من الحزن الذي كاد أن يقضي عليها، وعانت وما تزال تعاني من الغياب، لكنها كافحت وتتبعت دراستها بكثير من الصبر والإيمان.. تتسم ريم بشخصية قوية جدا لكنها بنفس الوقت حنونة، وتغمر إخوانها بمشاعر الحب، وتفكر فيهم باستمرار، كما لو أنها تحاول أن تغطي الفراغ الذي تركته يا اخي، قليلة الكلام كثيرة التفكير بالمستقبل، شديدة الخوف على إخوانها.
أما الكبير أوي خلدون من استودعك جزءا من كبده، فهذا كوكتيل جميل من كل إخوانه، خلدون النسخة طبق الأصل منك، واسع في حبه، كريم في أخلاقه، وافر في طيبته، يبتسم في أحلك الظروف، ولا يقيم وزنا لماديات الحياة، وليس في قلبه ذرة حقد أو حسد تجاه أحد.
وبرغم الخذلان الذي واجهه من قبل واحد من أقرب أصدقائك إلا أنه ما يزال مبتسما وينظر للغد بكل إيجابية، كان يسعى نحو وظيفة بسيطة وعده بها أحدهم قبل تنزرع من طريقه العراقيل من الشخص نفسه، وفي آخر محادثة بيننا قال بصوتك: "يا باشا لا تشيل هم والدنيا بخير".
أما أنا يا أخي استلقي كل ليلة على الفراش وأبحلق في السقف طويلا قبل أن يأتي طيفك بذكريات لا تعد ولا تحصى، ولطالما وتسللت من النافذ أشعة الشمس دون أن يغمض لي جفن، ولم أكن على أيامك أجد أي مشكلة في النوم قرير العين دونما تفكير بالغد، لأنك كنت المستقبل كله، وتلك طمأنينة وسلام داخلي رحلا معك.
الرحمة والمغفرة والخلود لروحك الطاهرة أخي الحبيب
جمال حيدره