في الحاجة إلى تطوير الثقافة السياسية بالعالم العربي!

الإثنين - 12 مايو 2025 - الساعة 09:01 ص بتوقيت العاصمة عدن

الوطن العربي " عدن سيتي ". عبد الباسط الغابري : متابعات














تُحيل الثقافة السياسيّة على طبيعة الخلفيّات والتمثّلات المُشكّلة للوعي السياسي لمجتمعٍ ما، والتي في ضوئها تشكّل نظامٌ سياسيّ محدّد اقترنت به مؤسّسات وأنماط سلوكية واجتماعية. لذلك فإنّ الثقافة السياسية تتقاطع مع القيم والمُتخيّلات الاجتماعية والرّمزية ومختلف البنى العميقة للنظام السياسي القائم ومؤسّساته.


تُثبت عديد المؤشّرات ضعف الثقافة السياسية في العالم العربي سواء على مستوى الصيْرورة التاريخية، أو طبيعة الممارسة السياسية ومختلف معايير التقييم المتّصلة بها. إذ توجد أزمة سياسية مزمنة لم تفْلح في تقويضها وتجاوزها لا النداءات المبكّرة التي تعدّ رسالة مصطفى فاضل باشا الموْسومة بـ"من أمير إلى سلطان" نموذجًا لها، ولا التنظيمات الخيرية، ولا حركات التحرّر الوطني وما تمخّض عنها من استقلال ودساتير، ولا الانتفاضات الشعبية المُتلاحقة.


خلق الثروة وتنميتها رهين انخراطها في الحياة السياسية من منطلق التأثير الإيجابي في تدبير السياسات العامّة
تؤكّد أحدث الدراسات المُنجزة في رصْد مؤشّرات الثقافة السياسية العربية أنّها ظلّت في عمقها ثقافةً تقليديةً / رعويةً ما زالت محكومةً في بنيتها الاجتماعية بعلاقات القرابة والقبيلة والولاء والخنوع. وهي أبعد ما تكون عن الثقافة السياسية القائمة على المشاركة التي من علاماتها بروز "المواطن الناقد" الذي يتّصف بالحيوية وممارسة ثقافة التساؤل في الحياة السياسية. لذا خلُص الباحث المغربي إبراهيم المرشيد ورفاقه المشاركين في تلك الدراسة إلى تسجيل مؤشّراتٍ متدنّيةٍ في مستوى حضور البُعد التقييمي للثقافة السياسية، بل حتّى مستوى البُعديْن المعرفي والشعوري لم يتجاوزا درجة المتوسط.


يعود ضعف مؤشّرات تطوّر الثقافة السياسية عربيًا إلى عوامل مُركّبة. لعلّ من أهمّها الفشل الذريع في صياغة "براديغم" جديدٍ لعقلنة الحياة السياسية. إذ لا يمكن أن تتطوّر الثقافة السياسية، سواء بالنسبة إلى السلطة أو النّخبة أو المجتمع، من دون التخلّص نهائيًا من "براديغم" الرّثاثة القائم على الطاعة وروافدها التي منها ثلاثيّة "العصبية والقبيلة والغنيمة".
إذا كان يصحّ القول بأنّ منطق "الينبغيّات" لا يمكنه تحقيق تغييرٍ جذريّ بحكْم أنّه شكل من أشكال الوصاية، فإنّه ممّا لا ينبغي الذهول عنه أنّه في غياب الالتزام بالواجب يستحيل تجديد الفكر والارتقاء بالسلوكيّات سواءً في ما يخصّ الثقافة السياسية أو غيرها. ونعتقد في هذا الصدد أنّ وعي النخبة الاقتصادية العربية، بأنّ خلق الثروة وتنميتها يبقى رهين انخراطها الفاعل في الحياة السياسية من منطلق التأثير الإيجابي في صياغة الرؤية السياسية وتدبير السياسات العامّة، يظلّ محدودًا. وهو ما يفسّر حالة الاصطفاف وتصيّد الفرص التي تسم علاقة تلك النّخب بالفاعلين الاجتماعيين.


التعليم الذي يربّي الأجيال على حقوق الإنسان وينمّي فيها حسّها المدني يخلق ثقافة تستجيب لرهانات المرحلة
لا شكّ في وجود عراقيل عديدة تحول دون أن يصبح الاقتصاد بوصلةً للحياة السياسية العربية. فعلى سبيل الذّكر، لم تستوعب النّخب السياسية العربية دروس الماضي القريب والبعيد. وهو ما يفسّر استمرار ظواهر التشفّي والانتقام والتعصّب و"تأليه السلطة"، في وقتٍ كان فيه من المفترض الحرص على تكريس التداول السلمي على السلطة، وتجديد الأحزاب والمؤسّسات، وتمكين المجتمع المدني من آليات الإسهام في المشروع الوطني تمهيدًا لتكاملٍ إقليميّ عربيّ أوسع.


يمكن أن تضطّلع الجامعات ومراكز البحث بدورٍ نوعيّ في تطوير الثقافة السياسية، سواء من خلال انتهاج تعليم تشاركي يُسهم في صياغته وتمويله مختلف الأطراف والعناصر التي لها صلة به، أو من خلال نوعيّة البرامج والرؤية الموجّهة لها. فالتعليم الذي يربّي الأجيال على حقوق الإنسان وينمّي فيها حسّها المدني من شأنه خلق ثقافةٍ جديدةٍ تستجيب لرهانات المرحلة. بيْد أنّ كلّ ذلك لا يمكن أن يُفصل عن الممارسات الفعلية داخل الجامعة على صعيد تكريس الممارسة الديموقراطية فيها، وتجذير مبادئ الحوْكمة والشفافية والنزاهة والكفاءة قبل كلّ الاعتبارات الأخرى.


الحديث عن دمقرطة الحياة الجامعية وحوْكمتها يفسح المجال لخلق جدلٍ حضاريّ بين الفاعلين في المجال العمومي
إنّ العلاقة بين الثقافة السياسية وبقية المجالات عبارة عن مجموعة حلقاتٍ متشابكة. وكلّ نظرة تجزيئيّة لها ليست إلّا مخاتلةً واستمرارًا في التهرّب من المعالجة الجذرية. لذا فإنّ الحديث عن دمقرطة الحياة الجامعية وحوْكمتها يفسح المجال لخلق جدلٍ حضاريّ ومناظراتٍ خصبةٍ بين مختلف الفاعلين في المجال العمومي. وهو ما يمكن أن يساعد على تطوير الإعلام الثقافي خصوصًا والإعلام عمومًا، إذ عندما تتوفّر الحرّية المسؤولة تتعزّز فرص التعايش السلمي وتترسّخ قيم المغايرة والاختلاف والتعدّد.

تظلّ الحاجة إلى تطوير الثقافة السياسية لمختلف النّخب أجدى وأنجع لأنّه لم يحْدُث في مختلف التجارب التاريخية نهضةٌ أو ازدهارٌ من دون وجود نواةٍ أساسيةٍ تعمل على كسب التحدّيات الحقيقية لشعوبها وتحقيقها.





"عروبة 22"

متعلقات