الخميس-08 مايو - 12:28 م-مدينة عدن

"المئوية الأولى" لترامب تُفقد العالم الثّقة!

الخميس - 08 مايو 2025 - الساعة 04:23 ص بتوقيت العاصمة عدن

الوطن العربي " عدن سيتي ". يقظان التقي : متابعات










بعد مرور أكثر من مئة يوم على بدء الولاية الثانية للرئيس دونالد ترامب، ما زال الغموض يخيّم على نوايا إدارته، حتّى بين أقرب مستشاريه. فهل يُؤخذ كلامه على محمل الجدّ، أم هو مجرّد تكتيك تفاوضي، أم مزيج من الاثنيْن؟ هذه الأسئلة تُظهر أزمةً أعمق تتعلّق ليس فقط بشخص الرئيس، بل بالقيادة الأميركية نفسِها.


في زمنٍ تتزايد فيه الحاجة إلى استقرار القيادة العالمية، يصبح التردّد والتقلّب في المواقف السياسية عاملًا مُقلقًا ليس فقط للداخل الأميركي، بل للأسواق والمؤسسّات والتحالفات الدوليّة بأسْرها. فالسياسات التي تُعلن ثم تُؤجّل أو تُسحب، تمنح الأسواق بعض الراحة المؤقتة، لكنّ عدم وضوح الاتجاه يُفقد الثّقة. الاقتصاد العالمي، وبخاصّة الأسواق المالية، بحاجةٍ إلى استقرارٍ ووضوحٍ في السياسات، لا إلى رسائل مُربكة ومُتناقضة. الأسواق لا تخشى الأخبار السيّئة بقدر ما تخشى الأخبار غير المفهومة.


عدم القدرة على التنبّؤ يؤثّر في القرارات الاستثمارية، ويهدّد بزيادة تكلفة الدّيْن العام الأميركي، كما قد يفتح البابَ أمام تصنيفٍ سلبيّ للاقتصاد من مؤسّسات التصنيف العالمية، وفي الوقت ذاتِه يتراجع الدولار كعملةٍ مفضّلةٍ في أوقات الأزمات، وهو ما يُضعف من النّفوذ المالي للولايات المتحدة.
المنطقة العربية أمام صفقة "القرن 2" مع فرصة للتوسّع الٳسرائيلي الٳقليمي من دون خلاص للشعب الفلسطيني
إنّ تجاهُل ذلك، يعني فقط إرسال كلّ هذه الثروات الهائلة إلى اقتصادات المُنافسين، بينما تستمر كوارث المُناخ مثل الجفاف وحرائق الغابات والعواصف الفائقة في التفاقم، مما يدمّر الممتلكات والأعمال التجارية، ويضرب إنتاج الغذاء على مستوى البلاد، ويسبّب التضخّم على نطاق الاقتصاد.


ومع انسحابها من ثلاثة التزامات عالمية، تفقد الولايات المتحدة أيضًا أداةً رئيسيةً للنّفوذ والتأثير، وتتنازل عن المشاركة في قراراتٍ ذات أهميةٍ عالميةٍ يمكن للمنظمات الدولية اتخاذها.



الغموض الرئاسي في ٳدارة الرئيس دونالد ترامب يترك الحلفاء في أوروبا وآسيا في حالةٍ من الحيرة، ويدفع بعضهم نحو خيارات أكثر استقلالية، أو حتى نحو مساوماتٍ مباشرةٍ مع قوى أخرى كالصّين وروسيا.

تستغل الصّين الفراغ الأميركي لتقديم نفسِها كشريكٍ بديلٍ في آسيا وأفريقيا، وتُدار السياسات بخططٍ طويلة المدى، كالخطط الخمسيّة، ومبادرة "الحزام والطريق".
عندما تُقاد السياسات بـ"تغريدة" تفقد المؤسّسات قدرتها على التخطيط وتنفيذ الاستراتيجيّات طويلة المدى
أمّا روسيا، فتسعى لتكريس حضورها العسكري والديبلوماسي في مناطق نزاع عالمية، مدفوعةً بضعف الاستجابة الأميركية في إطار أهدافٍ استراتيجيةٍ واضحةٍ، مثل استعادة النفوذ في جوارها المباشر، أو خلق توازن قوى مع الغرب.


وعلى الرَّغم من بطء اتخاذ القرار نتيجة تعقيد المؤسّسات وتعدّد الأطراف في الاتحاد الأوروبي، إلّا أنّ السياسات تمرّ بآليات تشاورٍ وتدقيقٍ واضحةٍ، ممًا يجعلها قابلةً للتنبّؤ والثّقة. فيما المنطقة العربية أمام صفقة "القرن 2"، انعكاسًا لتدخل أميركا المباشر والعميق في الاقتصاد والأمن، مع فرصة للتوسّع الٳسرائيلي الٳقليمي من دون خلاصٍ سياسيّ من نوعٍ ما للشعب الفلسطيني، وأيّ فكرة ما بعد الحرب تتضمن طريقًا ٳلى دولة فلسطينية.





لطالما شكّلت المؤسسات الأميركية مثل وزارة الخارجية والاحتياطي الفيدرالي ووكالات الأمن القومي دعائم للاستقرار والاتّساق في السياسات العالمية. لكنّها أصبحت عُرضةً للتقويض من قبل خطابٍ رئاسيّ مُتقلب، يُعبَّر عنه عبر منصّات التواصل الاجتماعي بدلًا من القنوات الرسمية. وعندما تُقاد السياسات بـ"تغريدة"، وتُلغى بمؤتمرٍ صحافيّ، تفقد المؤسّسات قدرتها على التخطيط وتنفيذ الاستراتيجيّات طويلة المدى، ما يُقلّل من فعاليتها.


تحوّل في نمط الحكم الأميركي من قيادة تعتمد على المؤسّسات إلى قيادة تعتمد على شخصية الرئيس الفرد
رؤساء مثل رونالد ريغان وبيل كلينتون وباراك أوباما، قدّموا نماذج مختلفةً للقيادة، لكنها اتّسمت بقدرٍ كبيرٍ من التماسك المؤسّسي والانضباط في الخطاب. أمّا النّمط الذي بدأ مع إدارة ترامب، ويبدو أنه يستمرّ بصيغةٍ محدّثةٍ، فيعتمد على عنصر المفاجأة، ما يُنتج حالةً من القلق الدائم.


الخطورة هنا أنّ هذه الحالة لم تعُد تُقرأُ فقط كمرحلةٍ انتقالية، بل كتحوّلٍ في نمط الحكم الأميركي ذاته، من قيادةٍ تعتمد على المؤسّسات إلى قيادةٍ تعتمد على شخصية الرئيس الفرد.
في القرن الحادي والعشرين، لا يُقاسُ النّفوذ العالمي بالقوّة فقط، بل بالثّقة التي تُبنى على الاستقرار والقدرة على التنبّؤ. وعندما تصبح القيادة الأميركية مصدرًا للغموض بدل أن تكون مرجعًا للوضوح، فإن أثَر ذلك لا يُقاس فقط في الأسواق، بل في ميزان القوى العالمي بأسره.


استعادة الثّقة تتطلّب تجديد العقد بين القيادة والمؤسّسات، وبين الداخل الأميركي والعالم. فالمِصداقية، في عالمٍ مترابطٍ اقتصاديًا وسياسيًا، ليست ترفًا، بل ضرورة استراتيجية.



"عروبة 22"

متعلقات