السبت-04 مايو - 05:02 م-مدينة عدن

ٱراء واتجاهات


تلميع صورة

الخميس - 12 أكتوبر 2023 - الساعة 05:12 م

الكاتب: محمد الخضر المحوري - ارشيف الكاتب





في المرة الثالثة التي دلفت مكتب المدير قلت في نفسي أن الأمر لن يخلو هذه المرة من التعنيف كما هو واضح، وربما صاحب ذلك ضربي بالعصاء التي يحرص دوما على حملها والتلويح بها إن اقتضى الأمر ذلك، أعني أن أمر كهذا في نظره لا يمكن التغاضي عنه، حتى لا يتكرر مرة أخرى، ولأنها ليست المرة الأولى ولا الثانية التي أخالف فيها فمن المرجح أن العقاب سيتخذ منحى عقابيا لا رحمة فيه، لكنه لم يفعل شيئا يذكر، فقط حذرني، وطلب إغلاق الباب بعد خروجي.
تلك المعاملة راقتني إلى حد ما، وعمدت بشكل فوري على التغلب على نومي أثناء درس الرياضيات، حتى أنني واضبت على تناول كوب من القهوة قبل كل درس، وطلبت من صديقي ناصر الذي يجلس بجواري وكزي بقلمه، في المرة الأولى تعمدت على نحو ما خداعه؛ حتى يتسنى لي قياس مدى تيقظه، ولأنه أراد إثبات دقة وحسن اختياري له فقد دفعه الحماس إلى غرز سن قلمه في عضدي، الأمر الذي دفعني إلى إطلاق صرخة مجنونة، قذفت بي خارج الفصل بعد ضربي بكتاب الرياضيات.
في المرة الثانية والثالثة في درس أستاذ الرياضيات محسن العيادي أبديت تيقظا لا بأس به، ضمن لي ولو بصورة مؤقتة تلافي مشكلتي الدائمة، ولأنني كنت حريصا على تلميع صورتي التي لم تعد جيدة فقد أبديت مقاومة امتدت لأكثر من شهرين، مما حدا بالأستاذة رجاء إلى إقامة حفلة تشجيعية صغيرة، مع أنني أوضحت لها أن الأمر لا يحتاج إلى كل هذا، ورغم معارضتي وتمسكي بالرفض القاطع بعد عرض الفكرة علي إلا أنها أقدمت على تنفيذ الفكرة، وجلبت قطعة كعك، يتوسطها اسمي الذي أكله بقضمة واحدة صديقي ناصر، حتى أنها قامت بتشغيل شيلات بدوية من تلفونها الأنيق، وسمحت لنا بالرقص بعد أن شكلتنا في صفين متقابلين في الدائرة التي شكلناها، كان يوما ممتعا بحق.
ولأن أستاذ الرياضيات كان هو الأولى بأمر كهذا فقد تعمد وبشكل واضح إقامة حفل على غرار الحفل الأول؛ لكن بصورة أضخم، وكأنه لم ينو إلا سحق ما قامت به الأستاذة رجاء، وإثبات أولويته في هذا الشأن بطريقة لم تخلو من محاولة تلميع صورته، لكن هذا الأمر لم يستمر طويلا بعد أن علم المدير الذي ظل يفكر على مدى ثلاثة أيام مع نائبه ووكيل المدرسة في كيفية انتهاز الفرصة لتجميل صورته لدى إدارة التربية في المديرية، وفي اليوم الرابع أعلن في الطابور الصباحي أنه بصدد إقامة حفل لأحد الطلاب- ولم يكن يقصد أحدا غيري-نظير نجاحه، وفي اليوم السادس طبعا بعد إعلامي بالأمر في اليوم الخامس أقيم حفل بمناسبة نجاحي العظيم، دُعي إليه الأساتذة، والطلاب وأهاليهم، وجيء بأحد مذيعي القنوات المحلية الذي ألتقط فيديوهات وصورا للحفل، كان من بينها صورة لي وأنا بجانب الكعكة الذي يتوسطها اسمي، وأخرى وأنا أتسلم شهادة تقديرية من المدير الذي ابتسم في ذلك اليوم كما لم يبتسم من قبل، وإن كنت لست أقلا منه في هذا الأمر.
وفي المساء في نشرة أخبار السابعة قرأت المذيعة الفاتنة خبر الحفل، وفي الفيديو الإخباري ظهرت إلى جانب مدير المدرسة وأنا أحمل في إحدى يدي شهادة التكريم، وفي الأخرى حفنة من حبوب الشوكولاتة، وبعد انتهائها من قراءة النشرة ناقشت مع أحد خبراء التربية مشكلتي وكيفية مواجهتها، والإشادة بمقاومتي.

لم يمر أسبوع واحد حتى طلب مني مدير المدرسة الحضور إلى مكتبه، وعلى الفور تحركنا سويا إلى إحدى القاعات الكبرى في مركز المديرية، في الطريق أخبرني أن هناك حفلا ضخما أعد لتكريمي، ومن المقرر أن يحضره مسؤولون ذوو شأن، في الحقيقة لم أعِ بعض كلامه، ورحت أهز رأسي بالموافقة، وهناك أمام القاعة الكبرى وضع يدي في يد أحدهم بعد إعلامه بأنني صاحب الحفل، ثم أخبرني بأنه سيعود في وقت لاحق، في القاعة الكبرى أزعجتني الإضاءة الشديدة، واللغط الدائر بصورة مربكة لولد ريفي، لكن التكييف المريح أزاح عني بعض التوتر...

في الحقيقة لم أكن مرتاحا، لكن أحدا لم ينتبه لي، واتضح أنني لم أكن إلا عذرا لهذا الأمر؛ لتلميع صورة شخص ما، لست أعرفه، الأمر الذي منحني مجالا أوسع للقيام بما أشاء.
وفي المساء في نشرة الساعة السابعة ذكرت المذيعة اسمي لكنني لم أكن من تسلم شهادة التكريم، في فيديو التقرير الإخباري كان هناك فتى يشبهني يتسلمها لكنني لست أنا، كنت هناك حقا، لكنني كنت مستلقٍ على الأريكة الناعمة في الصف الإمامي، مستمتعا على ما يبدو بنوم عميق.

محمد الخضر المحوري


جمعة مباركة