الخميس-25 أبريل - 10:43 ص-مدينة عدن

ٱراء واتجاهات


وللبوح إنزلاقات متباينة.. موغلة بالفشل.

الإثنين - 21 نوفمبر 2022 - الساعة 10:47 م

الكاتب: محمد الخضر المحوري - ارشيف الكاتب






الامتداد الفسيح الذي يجود به الفضاء المنفلت بلا هوادة يشعرني على نحو ما بعدميتي مقابلة برحابته المجنونة.

تجرده من الأشياء يمنحني صفاء ذهنيا مذهلا، يحشرني في زاوية ضيقة مع مشاعري التي تمور في رأسي، نغدو أنا وهي وحيدين في أصقاع الوحدة؛ ولأنني لست على وفاق معها، فإنني لا أحبذ كثيرا الالتقاء بها في عالم خالٍ إلا منها؛ لأنها كما تدرك نتاج طبيعي لتجارب متباينة، موغلة أحيانا في الفشل إلى حد كارثي من الألم الممض.



ولا يقف الأمر عند هذه النقطة فحسب لكنني أيضا لا أسمح لها بالاسترسال خصوصا حينما أنزلق لا شعوريا في البوح بها؛ لأنها لا تظهر الجانب الآخر من وجهها الكالح السوداوي إلا بعد التوغل عميقا، تغريني بدايتها الحلوة في المضي قدما، تسكب على براعم تذوقي أحلى ما في خزائني من تجارب، لا أعلم من أين تنبشها؛ لأن لا تكاد تذكر، حتى إذا ما استشعرت بسريان الخدر كشفت فجأة عن وجه آخر...

ولكي لا أدفع ثمنا باهضا إزاء الانجراف في دوامتها فإنني لا أخاطر، أكتفي بالتسمر على صخرة ما على شاطئها المطل على بحرها الهائج المجنون، أو ألامس بأطرافي أمواجها الفواره الزبدية على الساحل، أطبع آثار أقدامي هناك وانصرف على الفور إلى عالمي الجامد المجرد، صحيح أنه قاس إلى حد ما خصوصا وأن ليس ثمة رياح عواطف أو نسائم شعور ترف في إنحائه لكنه في نظري أقل قساوة من البحر الهائج الذي يعصف ورائي.

ومن هذا المنطلق فإنني لا أسمح لنفسي بالبقاء كثيرا في الفضاء الرحب الفسيح، وأتجنب إلى حد ما الصمت المطبق الجانح إلى السكون العدمي، وابتعد عن التحديق في الأفق الممتد الأنيق؛ لأنها جميعا تمنح للمشاعر الأفضلية وأحيانا التفوق على مقاومة الهروب منها أو طردها.

أدرك أن النزال سيكون عسيرا، وأن طرفا ما فيه سيكون خاسرا، ولأنها ليست معركتي الأولى التي أخوضها وأخرج منها خائبا منكسا راية المقاومة فإنني أتقبل الهزيمة مسبقا، وأتقبل أيضا ملامح الزهو التي تعلو وجهها مع أن الأمر هذا ليس بالسهل، وهو عسيرا جدا إلى حد بعيد لكنه في نظري أقل فداحة من السقوط في فخ الهزيمة والاسترسال في المكوث إلى جانبها؛ ولأنني والحقيقة يجب أن تقال أخاف ألا أنهض بعد السقوط في فخها، ولا أحب أن أصبح رهينة خلف قضبانها الفولاذية، لأنني أدرك حينها أنني من المؤكد سأغدو مجرد سجين أبدي يحمل رقما على قميصه الباهت، ورقما قياسيا في البقاء تحت تصرفها.

أسعد الأوقات نتمنها لكم أحبتي....