الثلاثاء-16 سبتمبر - 04:19 م-مدينة عدن

ٱراء واتجاهات


سياسات الصبر وصخب اللحظة…

الأحد - 14 سبتمبر 2025 - الساعة 10:22 ص

الكاتب: د أحمد عبداللاه . - ارشيف الكاتب




عاش الجنوب ومحافظاته المحررة من أقصاها إلى أقصاها وضعاً استثنائياً بالغ القسوة والتعقيد، حتى غدت أرضه فضاءً مفتوحاً تتقاطع فيه إرادات القوى المحلية والإقليمية، وكأنها مختبر لإعادة إنتاج التوازنات على حساب كيانه السياسي والإنساني. في المقابل ظلّت صنعاء تحت قبضة أنصار الله، تتشح بلون واحد، تجاهر العالم بخطاب محدد وتصارع الداخل والخارج، متكئة على رافعة إيرانية ودعم خارجي غير مباشر.

بل إنّ قائدة التحالف نفسها تحولت، إلى وسيط يسعى لاسترضاء حكام صنعاء أكثر مما يضغط عليهم، ضامنةً لهم شروطاً أساسية قد تجعلهم في موقع يمسكون فيه بخيوط اللعبة، فيما يُترك الجنوب معلقاً في فراغ سياسي يستنزف طاقاته ويؤجل قضيته بانتظار الإطار التفاوضي.

ومن موقع المساندة للشرعية إلى مقام الشراكة المباشرة، سجل الجنوبيون خطوة ظنوها تخدم أهدافهم، في لحظة أعادت الرياض إنتاج الشرعية ذاتها في هيئة "مجلس قيادة رئاسي"، صيغ ليؤمّن قدراً من التوافق الداخلي والإقليمي في ظرف سياسي بالغ الهشاشة. غير أنّ هذا المجلس لم يُبدِ سوى اهتمام بإعادة توزيع مكاسب السلطة بين النخب والأحزاب، فيما ظلت معركته الكبرى ــ تلك التي تتصل بجوهر الصراع مع الحوثي ــ مغيّبة.

وبهذا، أضحى الجنوب جزءاً من معادلة لا تنطوي على خدمة غاياته التاريخية بقدر ما تُكبّله في إطار شراكة مُعلّقة في فضاء لعبة سياسية لم تُحسم حدودها بعد، ولا تبدو مآلاتها مرسومة بوضوح. وفوق ذلك، فإن الركون الكامل لإرادة قائدة التحالف جعل من الجمود “استراتيجية انتظار” حتى انبثاق شروط تضمن لها مصالحها وأمنها قبل أي اعتبار آخر، لتغدو إرادة الجنوب مؤجلة مرة أخرى لما بعد اكتمال حسابات الآخرين.

وكان من حق الجنوب أن لا يقبل شراكة في مرحلة عائمة فوق حدود الزمن وفوق حدود احتمال الشعب و مع أطراف يحملون إرثاً ثقيلاً من التعقيدات والخصومات البينية عداك عن الترهل السياسي وانعدام النزاهة… وكان من حقه أن يحدد وجهته الحرة لولا الضغوط الداخلية والخارجية وتراكمات تاريخية أضعفته.

القرارات الأخيرة الصادرة عن رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، والتي قيل إنها ظلّت عالقة طويلاً في أدراج الرئاسي، فجّرت ردود أفعال متوقّعة، لا سيما من القوى التي تلعب أدواراً مزدوجة وتعلن جهاراً بأن مجلس القيادة ذاته غير دستوري وغير شرعي. وتلك هي المفارقة.

لقد حركت التعيينات، بالكيفية التي تمت، ركوداً سياسياً عميقاً ويمكن فهمها من الوهلة الأولى أنها تعبير عملي عن نفاد الصبر وعن ضرورة تعديل قواعد شراكة غير متكافئة ولا منصفة ومسكوت عنها لسنوات.

غير أنّ جوهر الإشكال لم يعد محصوراً في صخب اللحظة، بل في مواجهة تراكم سياسات الصبر والتغاضي التي سادت لسنوات تحت شعارات الحفاظ على الشرعية لمواجهة الحوثي، حتى بلغت أقصاها، خاصة وأن التنازلات ظلت أحادية الجانب من الطرف الجنوبي.

والآن، فإن تلك القرارات، مهما كانت أهميتها وما تثيره من ردود أفعال، تقف عند مفترق مفصلي: إما أن تبقى مجرد تنفيس ظرفي لتفريغ احتقان طال أمده، أو أن تتحول إلى لبنة في بناء استراتيجي متصل، بحلقات مترابطة ورؤية مدروسة، ليؤسس، في سباق مع الزمن، دعائم إدارة ذاتية راسخة ويعيد الجنوب إلى طاولة أي سلام قادم بصفته طرفاً أكثر قوة وأكثر حضوراً.

هنا يبرز البعد السياسي للمسألة: فنجاح القرارات لا يُقاس بما تثيره من ضجيج آني، وإنما بمدلولها وما تنطوي عليه من قدرة على إعادة رسم موازين القوة، على طريق تثبيت موقع الجنوب في خرائط التسوية المقبلة.

ومع ذلك، يظل الشرط الأخلاقي والسياسي لأي نجاح مرهوناً بالحفاظ على اللحمة الداخلية، وتعزيز الشراكة الجنوبية، واقتلاع بنى الفساد التي نخرت جسد الدولة والمجتمع. وهذا ليس مجرد كليشيه في خاتمة القول، بل معيار وجودي يصون قضية الجنوب في مرحلة شديدة التعقيد والحساسية.
احمد عبد اللاه