من تاريخ الجنوب حسان..يا حسان....
الأربعاء-25 يونيو - 11:28 ص-مدينة عدن

ٱراء واتجاهات


المواطن الغلبان... بين لهفة الماء وسُعار السوق

السبت - 21 يونيو 2025 - الساعة 08:15 ص

الكاتب: د . إيزيس المنصوري - ارشيف الكاتب








في شوارع مدينتي عدن الحارّة، لا يبحث المواطن الغلبان عن رفاهية، ولا يسأل عن ثروات، ولا يطمح بقصورٍ أو مكيفات. كل ما يريده الآن، وسط طوفان الانهيار الاقتصادي، هو "بوزة ماء" وعدد قطع من ثلج باردة تُطفئ لهب جسده، و"لقمة" يسد بها رمق يومه، ثم يعود إلى بيته دون أن يُذل أو يُهان.

عملةٌ تتهاوى كأوراق الخريف، وأسعارٌ تقفز كل صباح بلا منطق، وأحلامٌ تتبخر في وهج العجز العام. المواطن في عدن، ذاك الذي أُنهكته الحرب وأرهقته الفوضى، بات يمشي وعلى كتفيه أثقالٌ لا يُحتمل وزنها. في عينيه سؤالٌ مؤلم: "إلى متى؟".

لم يعد المواطن يسأل عن الكهرباء، فقد اعتاد على الظلام، ولم يعد يحلم بالراتب، فهو يعلم أنه إن جاء فلن يكفي سوى لساعات. غلاء الأسعار، ضعف العملة، تلاشي الخدمات، وتخلي الدولة عن دورها... كلها عوامل تصنع مشهداً بائساً يصعب وصفه دون أن ترتجف الكلمات.

حتى قطعة الايس كريم المثلجة ، التي كانت مشروب الأطفال في الحارات، باتت اليوم حُلم الكبار، بعدما أصبح سعرها يصعب على الأطفال ويفضل أن يشتري بها رغيف. أما "اللقمة"، فهي معركة يومية تبدأ منذ مطلع الشمس، وتنتهي عند بائع الخبز الذي ينظر إليك بعينِ من لا يستطيع المساعدة.

في عدن، صار الصمود فضيلة من لا يملك غيرها. لا مظلات تحمي الفقراء، ولا قوانين تردع الجشعين، ولا يد تمتد للعون من الجهات التي يفترض أنها مسؤولة. فالمواطن الغلبان يُترك وحيداً في مواجهة وحش التضخم، يُجبر على التقشف في الحلم كما في الطعام.

فهل من مستجيب؟
هل من ضمير ما زال ينبض بين أروقة السلطات؟
هل من بصيص أمل يُطفئ ظمأ العطاشى ويُهدّئ جوع الصابرين؟

إن لم تُجب الجهات المسؤولة اليوم، فقد لا يكون الغد قريباً كما نظن، ولا الناس صابرين كما كانوا.