الجمعة-09 مايو - 05:13 م-مدينة عدن

ٱراء واتجاهات


الغوص في بحور الاحساس والمعرفة

الخميس - 10 أبريل 2025 - الساعة 05:48 م

الكاتب: محمد الخضر المحوري - ارشيف الكاتب





هأنذا أمضي لكن بتردد، أقدم رجلا وأؤخر أخرى، لم أعد كما كنت في السابق، وما أنا فيه بالمناسبة لا صلة له بوحشة هذا الدرب أو ذلك الطواف، لنسميه بأية تسمية فكلها تليق به، طواف أو تجوال أو درب....

طواف عامر طويل صرفته في بطون الكتب متجولا، أعب منها طيلة تطوافي اللذيذ، ولم أشبع بعد، وهل يشبع طالب العلم منه؟

التقيت في طوافي هذا بأساطين المعرفة، ورواد الفكر، أنهل من ينابيع علومهم النقية، ألتقي تارة بشاعر يغوص في لجج الأحساس والمشاعر العميقة، يبلور بحسه المرهف وشعوره اللطيف دررا ما كان لي ولا لغيري التمتع بسناء جمالها ولو مد العمر والفهم ذوائبهما لنا...
وتارة أخرى أجول مع جهابذة الفكر، أقلب طرفي في سهوب أطروحاتهم الرزينة في شتى مناحي الحياة التي طرقتها أذهانهم، فيذهلني ما تناهت إليه إبداعات العقول البشرية الثرية من رقي وحكمة وعبقرية، أجدها حقا جديرة بالإجلال والاندهاش.


لطالما شددت أزر يقيني النحوي في مسألة ما بسفر مهيب بين دفتي الكتاب لملك النحو، وعلى ضفاف عبقرية ابن جني سبرت غور نهر العربية العذب، وأرهفت السمع للكسائي وهو يمنح اللغة نطاقا أكبر باحتوائه الفسيح.

وكم شط بي المزار في فلوات كبرياء المتنبي وافتخاره بنفسه، وعلى ذات المنوال كم عرّجت على حدائق مجاز أبي تمام، وبطيب خاطرٍ تتبعت آثار درويش في خرائط التيه والحنين.

وفي جنائن الاسترسال والبيان، حاورت الجاحظ في انثيال بيانه، وأصغيت إلى ابن خلدون وهو يحاول تفسير ظواهر بزوغ أنجم الأمم وأفولها، وتأملت وجع المعنى عند إدوارد سعيد، وتلمست بين يدي طه حسين شعلة التنوير.

وما بين ركام السرد تطلعت مليا في فرشاة دوستويفسكي وهو يتفنن في رسم ملامح شخصياته، وتأملت هشاشة الإنسان في عوالم كافكا، وعلى ضفاف الرواية رأيت ماركيز ينثر الأسطورة في تفاصيل الواقع، وتسنمت روائح أزقة القاهرة وحواريها في سرديات نجيب محفوظ.


طواف لا زال مستمرا، ولا زلت بعد في خندق المقاومة، لكن ما أنا مزمع على القيام به، وما أنا بكل تأكيد مضطر إليه يحمل في طلائع خميسه العرمرم رايات الإجهاز على جذوة هذه المقاومة الخافتة.

خالجني هذا الشعور حين بدأت أتعلم أبجديات تربية النحل الأولى 😅، استرشد بتعليمات صبي لم يتجاوز عمره خمسة عشر عاما، يرمقني بوجل، في خلده أمان وطموحات، أغلاها بلوغ قمة ما يراه بالنسبة لي مجدا، وفي الضفة الأخرى من تلك الأماني أمانيّ المتواضعة، المحصورة في اتقان صنعته التي يلقنني أبجدياتها الأولى.

مفارقة لا يمكن أن تلمحها إلا إذا حلقت بسابحك المجنح في فلك حكاية عامر بالأساطير والعجائب، أو في واقع انحرف بك فيه قطار حياتك إلى مربع التدريس.


مساؤكم جميل ❤️